الاثنين، 2 أبريل 2018

مصطفى بكري.. تغيرت يا رجل !



التغيير سِمةٌ إنسانية ثابتة، فالإنسان يتغيّر بطبعه ولا يرسو على سلوكٍ واحد أو عادةٍ دائمة طول حياته، ولكن أن يتغير الإنسان إلى الأفضل ليس كتغيّره للأسوأ، وأن يرقى بنفسه وعمله إلى العلا ليس كالذي يزجُّ بهما إلى الحضيض، فالتغيير الايجابي إذن هو المنشود من الإنسان أما انحرافه نحو طريق الظلام والضبابية فهذا هو العيبُ بذاته والمذلّةُ بعينها.
وقد صار التغيير في هذا العصر موضةً يتشدّق بها ضعفاء النفوس، ظنّا منهم أنها من معالم التطور الحضاري، غير أن المبادئ الأصيلة لا تبلى مهما طال الزمن، بل ترافق الإنسان في مسيرة حياته كاختبار مرير لمدى تشبثه بها وثباته عليها، وهذا مصطفى بكري الصحفي المصري ذائع الصيت، لا يكاد بصركَ يطأ على برنامج من البرامج المصرية إلا وتجده من بين الضيوف، ولعلّ هذا التكريم المبالغ فيه جاء بلا شك من مواقف اتخذها بكري تناغمت مع ميولات أصحاب النفوذ، كنّا نراه منذ سنوات مضت في برنامج الاتجاه المعاكس أيام الصراخ مدافعاً مغواراً ضد غزو العراق وسياسات أمريكا الاستعمارية التوسعية في المنطقة.

وأصدقكم القول أنني كنتُ من أشدّ المعجبين بمصطفى بكري آنذاك، كان يشدّني اندفاعه وحزمه في وجه خصومه دفاعاً عن الوحدة العربية ومستقبل الأجيال القادمة، ويبدو أن معدن الإنسان الحقيقي لا يطفو على السطح إلا إذا اشتدت الظروف واحتكّ بما لا يناسب توجهاته الدفينة، فإما أن يسطعَ بريقه في الكون، وإما أن يأفل كما تأفل الشمس في المساء.
وإذا "برجل كل العصور" يُغيّر جلدته ويتجرّد من معطفه ليلبس معطف النفاق الأنيق، ولعل المصلحة الشخصية لعبت دورها في تغيير طينة مصطفى بكري فآثرَ شدّ حبل الوصولية القصير، ليتلوّن كالحرباء بتلوّن الحالة السياسية في مصر، يفرّ من القارب المثقوب ليلحق بالسفينة السائرة في عرض البحر مستغيثاً بها، وقد كان من قريب يسبُّ ربانها بأقسى الألفاظ، بل وحتى المشاهدين اتّصلوا ببرنامجه أكثر من مرة ليوبخوه على نفاقه وتلونه إلى درجة أن قال فيه شقيقه من أبيه وأمه محمود بكري بالحرف الواحد "كان معرص منذ صغره!"
فهل يصدق أحد أنه كان يمدحُ الإخوان مدحاً مستفيضاً في 2011، واعتَبر أنهم أدّوا أداءً جيداً في مسيرتهم لكنّهم تعرضوا للظلم والدموية من السلطة، بل وصرّح المحامي المعروف نبيه الوحش أنّ بكري كان يتقلّد منصب المستشار الإعلامي لمرشد الإخوان المسلمين، ولمّا صعد عبد الفتاح السيسي كرسي الرئاسة بعد الانقلاب العسكري قال فيه من المدح والإطراء ما لم يقله المتنبي في عصره، وصرّح أنه الرئيس الذي أعاد مصر المختطفة، وطبّل قبل ذلك للمجلس العسكري والمشير طنطاوي وعدد من المتهمين بالفساد، وله صولات وجولات في البرلمان مع الفريق أحمد شفيق، وظلّ ينحاز للمجلس العسكري والثوار في آن واحد، وهاجم بطبيعة الحال الإخوان المسلمين بعد تغيّر الظروف السياسية هجوماً لاذعاً، وقال في مرسي ما لم يقله مالك في الخمر بعد عزله من السلطة.

وفي الشأن السوري عُرف بدفاعه الشرس عن بشار الأسد، وردّد أكثر من مرة أن نظامه لن يسقط أبدا وأن المعارضة السورية مجموعة من "الخونة" هدفهم تقسيم سوريا وأن المجازر ليست حقيقية، وعندما سأله مذيع في أحد البرامج التلفزيونية هل تؤيد الثورة السورية؟ أجاب "بالفم المليان" نعم وصرّح الصحفي المثير للجدل توفيق عكاشة وغيره أن مصطفى بكري أخذ أموالاً طائلة من القذافي وحافظ الأسد وصدام حسين، وبات هذا الأمر محسوماً فيه، واغتنى بذلك اغتناءً فاحشا، ولا يسأله أحدٌ من أين أتى بثروته الضخمة وعقاراته وأمواله المكدسة في البنوك.

كان يسمي نفسه معارضا لنظام حسني مبارك قبل خلعه من الشعب، ولكن أينما حلّ الرئيس وارتحل تجده من بين الوفود في الصفوف الأمامية، وهو الذي كان يخاطبُ كل مواطن مصري وعربي بعد انتخابات الرئاسة مباشرة قائلا لهم أن مصر تقف وراء مبارك في مشروعه الوطني وفي دعمه للديمقراطية ودفاعه عن الطبقات الفقيرة، وتبنيه لحرية التعبير وحرية الصحافة وكل حريات الأرض، وقال أنه قام باستفتاء خاص في الشارع من طرف مندوبيه فحصل مبارك على نسبة 87 في المئة من الأصوات، وظل متشبثا به إلى آخر يوم من حكمه، لينقلب عليه كما ينقلب الليل على النهار قبل أن يهتف في مظاهرة ضده "يسقط يسقط حسني مبارك".
وحاليا يشن سلسلة هجمات على قطر، إذ يتهمها برعاية الإرهاب وإشعال الفتن في العراق وسوريا واليمن وجزيرة الوقواق وفي كل مكان، دون دليلٍ مادي واحد سوى الهرطقة الفارغة، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلُّ على أن الرجل يبيع كلماته بأموال لا تُقدّر بعدد، وتذكروا يوم سيرفع الحصار المفروض على قطر حتما سيقول فيها من المدح والثناء ما يعادل ما قاله من السوء والهراء، ويوم ستعود سوريا بحول الله إلى حضن السوريين سينفي تماما معرفته ببشار الأسد، والأيام بيننا، فهذا ليس بغريب عنه وهو "رجل كل العصور".

وإذا عددنا تناقضات مصطفى بكري مع نفسه وتقلباته السياسية لاحتاج الأمر لمجلدات عظيمة، فالرجل لا يبرحُ مكانه حتى ينتقل إلى مكان أفضل إذا تناغم ذلك مع مصالحه الشخصية، ولا يكاد يرسو على موقفٍ سياسي ما حتى يقفز إلى موقف آخر أكثر إغراء وسمعة، وهذا ما أكسبه شهرة لا نظير لها كأكثر شخصية إعلامية في مصر تتقلّب مواقفها السياسية باستمرار، ولا يختلف اثنان أن مصطفى بكري يستحقُّ بذلك جوائز قيّمة وتكريماً يليق بمكانته، تخلّد ذكراه في تاريخ الإعلام والسياسة إلى أبد الآبِدِين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة المدونات الإلكترونية