الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

جثّة جمال خاشقجي.. هل ستموت قضية الصحفي السعودي بمرور الوقت؟



بدأت قضية اغتيال جمال خاشقجي تأخذُ منعطفاً جديداً فالغموض أصبح السمة الأساسية لتعاقب الأحداث والروايات، وتضارب المواقف السعودية والأمريكية وتأخر التحقيقات التركية يدفعنا إلى طرح العديد من التساؤلات، بل الذهاب أبعد من ذلك وهو التشكيك في نوايا الاغتيال نفسه، ومع مرور الوقت كنّا ننتظر نتائج التحقيقات التركية وإذا بنا نُصعقُ من بلادة الرواية السعودية وهي أن جمال قُتل في عراكٍ بالأيدي، حيث يُراد لنا أن نصدّق المملكة العربية السعودية في روايتها هذه مثلما أُريدَ لنا أن نصدّقها حين صرّحت رسمياً بأن خاشقجي خرج من القنصلية بعد 20 دقيقة من دُخولها وهو الموقف الذي ثبتت عليه السعودية قرابة ثلاثة أسابيع قبل اعترافها بالجريمة، والغريب في الأمر أنَّ العالم العربي على الأقل يدعو إلى القيام بإجراءاتٍ هامة يراها من الضرورة بمكان وإن لم تكن للرأي العام العربي أصلاً درايةٌ بكيفية سيرِ التحقيقات الجنائية، فهناك العديد من الإجراءات التي يتغاضى عنها التحقيق التركي رغم أنها واضحة وبديهية ودعنا نُركّز على نقاطٍ منها:
أوّلاً: كيف يمكن للأمن التركي أن يفسح المجال لـ 15 عنصراً سعودياً من ضباط وشخصياتٍ نافذة في الدولة ليتحرّكوا بكل حرية وسلاسةٍ دون أن يفرضَ -بالنظر إلى وزن عناصر المجموعة- رقابةً تقتفي تحركاتهم، خصوصاً وأنّهم جاؤوا في طائرةٍ خاصة من أجل مهمةٍ محدّدة كما يبدو ولم يلبثوا سوى سُويْعات قليلة قبل أن يهمّوا بالسفر مع العلم أن تركيا سبق وأن تعرّضت مراراً وتكراراً لهجماتٍ إرهابية مما يستدعي أعلى درجات الحيطة والحذر في مثل هذه الأمور.

ثانياأين جُثة خاشقجي؟ بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع دون العثور على أثرٍ لها، هل نعتبر ذلك انتصاراً للسعودية كونها نجحتْ في إخفاء الجثة ومحو آثار الجريمة؟ فالأمن التركي لا يتحدث عن جثة خاشقجي بقدر ما يروي أحداثاً من حين لآخر كالتقطيع والموسيقى والتسجيلات الصوتية والمرئية وما إلى ذلك، فأين جثة خاشقجي إذن؟ هذا هو السؤال الذي يبحث العالم عن إجابة له باستثناء تركيا والولايات المتحدة، وكيف تم إدخال معداتِ التقطيع عبر المطار؟ وإن تم اقتناؤها من داخل تركيا فأين تم ذلك؟ ومع من؟ ومن أدخلها إلى القنصلية؟ وهل يستغرقُ تقطيع جثة إنسان قِطعاً صغيرة بضع دقائق؟ وكيف تم تصوير القنصلية من الخارج؟ هل تم تثبيتُ الكاميرات عن قصدٍ لتصوير الجناة وتصوير دخول جمال خاشقجي إلى القنصلية، ومن ضمن لنا أن الشخص الذي يظهر في الفيديو هو بالفعل الصحفي خاشقجي أم أنها مسرحية مفبركة في حين تم التخلّص منه أو اختطافه قبل ذلك.
ثالثا: أين التسجيلات التي ما انفكّت التحقيقات التركية تتحدث عنها في كل وقتٍ وحين، هل هي حرب نفسية تلك التي تنهجها تركيا لدفع العالم نحو الإعراض عن القضية بداعي الملل والإحباط، ولماذا لا يُكشفُ النقاب عن التسجيلات لتضع حدّاً لتنصّل السعودية من مسؤوليتها المباشرة في قتل خاشقجي وتهريب جثته كما يبدو عبر طائرة خاصة ليتم تفريق أجزائها في مناطق محددة وتذويبها بعد ذلك بحمضٍ خاص، فالمنطق يقول أن خمسة عشر عنصراً قدِموا لاغتيال شخصٍ واحد هو عدد مبالغ فيه، وبالتالي فدور هذه الكتيبة هو أن يُخرج كل فردٍ منها جزءً من جسم خاشقجي حتى يتمكنوا من تمويه كاميرات المراقبة خصوصا وأنهم استقلّوا طائرات خاصة لا تخضع للتفتيش الدقيق.
من جهة أخرى أعتقد أن الولايات المتحدة لها يد طولا في اغتيال جمال خاشقجي، ربما ليلعب ترمب دور الحمل الوديع الباحث عن الحقيقة، والساهر على إحقاق العدل في الأرض والمدافع عن حرية الصحافة بعد أن ساءت صورته بشكل كبير جراء فضائحه المتتالية واعترافه الأخير بالقدس عاصمة لإسرائيل وفشله في لعب دور فعال لإنهاء الصراع في سوريا وتنصله من الاتفاق النووي مع إيران، ولعل تصفية الحسابات بين الثلاثي تركيا السعودية وأمريكا هو من جعل جمال خاشقجي في مرمى حجر دون اعتبار لوزنه الصحفي ومكانته الدولية، وأنا على يقين من أنّ ترمب سيعمل على تلطيف الخطاب مع السعودية بعد اعترافها بمقتل مواطنها رغم تفاهة المبررات التي استهزأ منها القاصي والداني، ولا أستبعد أن تُرحب واشنطن بها وتجعلها خطوة لتهدئة الأمور وترتيب دواليبها لمنحة سخية من السعودية، ولا أظن أن تركيا تريد أن تخرج من هذه القضية خالية الوفاض وتدع الغنيمة كاملة لترمب، فلعل تأخرها في كشف الحقائق ناجم عن مساومات تحت الطاولة تريد من خلالها أنقرة ضمان حصة الأسد بعد المجهودات الكبيرة التي قامت بها والأموال الطائلة التي تصرفها في إنجاز التحقيقات.

رابعا: لحظة دخول عاملات النظافة إلى القنصلية تحت أنظار الصحافة العالمية في مشهد غريب قبل سويعات من دخول فرق التحقيق إليها وهم يبتسمون كونهم مقبلين على لعبة مكشوفة تطرح العديد من علامات الاستفهام، فما دورهم إذن إذا كانت القنصلية أصلا خالية على عروشها ولماذا هذا التوقيت بالضبط وماذا سيكون عملهم من غير محو وطمس ما تبقى من معالم الجريمة؟ وهل حقّق الأمن التركي معهم بعد خروجهم من القنصلية.

والأكثر من هذا كيف يمكن للسعودية أن ترتكب مثل هذه العملية الغبيّة إن لم تكن هناك قوى وازنة قدّمت لها الدعم النفسي واللوجستيكي، فهل يُعقل أن السعودية تغامر لوحدها في هذا المستنقع ومؤتمرُ دافوس على الأبواب، وحالُ المنطقة مشتعل على جميع الأصعدة، ومنظمات حقوق الإنسان تترصّد كل ما يجري من انتهاكاتٍ صارخة في اليمن واعتقالات واسعة للمعارضين، وحصارها لقطر الذي برّرته بكونها راعية للإرهاب؟ إضافة إلى استغلال إيران هذه الورقة الرابحة لممارسة مزيد من الضغوطات على الرياض، وأيضا طبيعة جمال خاشقجي نفسه فهو يُدعى بالمعارض اللايت إذ لا يُشكل أيّ تهديد للسعودية لا من قريبٍ ولا من بعيد، إذا شاهدته كيف يتحدث عن النظام السعودي تُقسمُ أنه من المؤيدين البارزين له.
إذا كان مقتل جمال خاشقجي من شأنه أن يُسيء للعلاقة بين ترمب والسعودية فلا ألف من خاشقجي يُمكنهم أن يُشكلوا عقبة أمام ترمب تمنعه من نهب ثروات السعودية برضاها

خامسا: لماذا لم يتم استجواب موظفي السفارة من الوهلة الأولى، هل يشتغل السفير وحده هناك، لا بد وأنهم شاهدوا حركات مريبة وأصوات صراخ داخل القنصلية وكذلك بالنسبة للشخص الذي ظهر في الفيديو وهو يرحب بدخول جمال خاشقجي من الباب، لماذا لم يتم توقيفه، ثم إنّ التهمة ثابتة على السعودية بمجرد أن صرحت وبدون حياء أن كاميرات المراقبة لا تسجل فهذا وحده يكفي لإدانتها وبشكل قاطع.

سادساً: إذا كان مقتل جمال خاشقجي من شأنه أن يُسيء للعلاقة بين ترمب والسعودية فلا ألف من خاشقجي يُمكنهم أن يُشكلوا عقبة أمام ترمب تمنعه من نهب ثروات السعودية برضاها، فالمال عنده هو المحدد للعلاقة بغض النظر لأي اعتباراتٍ إنسانية أخرى، وكيف تمكّنت السلطات التركية من الحصول على تسجيلات بالصوت والصورة إن لم تكن قد سعتْ بالفعل وراء ذلك بطريقة ما، وأنا لا أستبعدُ إعادة لسيناريو العراق والكويت حين دُفعَ صدام لاحتلال الكويت بإيعازٍ من الولايات المتحدة وبعد أن نفَّذ ما كانت تصبو إليه انقلبت عليه كما ينقلب السحر على الساحر وأصبحت بين ليلةٍ وضحايا منقذة الكويت وراعية الأمن العالمي ثم أخذت كل ما تريده من العراق وإن كان الفارق بين المؤامرتين هو أن السعودية ستخضع لضغوطات ترمب دون حملة عسكرية كما حصل مع العراق، ودون إراقةِ قطرة دمٍ واحدة ستحصل أمريكا على كل ما تريد.ستستمر التحقيقات التركية إلى أجل لا يعلمه إلا الله، وستموت قضية خاشقجي مع مرور الوقت كما ماتت القضية الفلسطينية والسورية بنفس الطريقة، سنعطي ظهورنا مع الوقت لأي خبر يُذكرُ بين طيّاته اسم جمال خاشقجي، بالضبط كما تناسينا اغتيال رفيق الحريري ويحيى عياش ويحيى المشد والمهدي بن بركة وآخرين، هكذا عوّدتنا السياسة العالمية، وهكذا أصبحت قضايانا العربية تدور في حلقة مفرغة إلى أن يفيق الضمير العربي في يوم من الأيام.

الاثنين، 17 سبتمبر 2018



وسواء تكلم عدنان إبراهيم أو غيرُه أم صمتُوا جميعا فإنّ الحق والعدل في سائر أمور الدنيا ليسا بحاجةٍ إلى محامٍ يدافع عنهما، كيف ذلك والبارئُ هو الحقُّ جلّ وعلا وهو العدل، والمحنُ وإن كانت في ظاهرها معاناة وتكلّفا إلا أنها في باطنها فضحٌ لمخططاتِ المتآمرين ووجوه المنافقين ليَبزغَ في النهاية فجرُ الحق -لا محالة- منتصراً على الباطل 
ولو بعدَ حين.

الاثنين، 3 سبتمبر 2018

مجموعة "لمشاهب".. نقاوة موسيقى السبعينات


وترعرعت بالحي المحمدي أحد أفقر أحياء الدار البيضاء وأكثرها شعبية، كانت بمثابة الصرخة المدوية المنبعثة من أعماق القلب، تصف بكلماتٍ بليغة وأشعار زجل غاية في الروعة والعذوبة ما كان يُكابده الشباب آنذاك من انعدام الآفاق وضبابية المستقبل وسوداوية الواقع، فجاءت مجموعة المشاهب بأغنيتها الملتزمة الهادفة لتتكلّم بلسان كل شاب، وبلسان كل معوز، وبلسان كل مقهورٍ ومنبوذٍ في البلد في ظل الحراك الفكري السياسي والثقافي الذي كان يعرفه المغرب في أواخر الستينات وبداية السبعينات.

الأربعاء، 22 أغسطس 2018

بين الكاتبِ وما يَكتُب!


إنها قصة عجيبةٌ تلك التي تجمع بين الكاتب وكتاباته، قصة وإن حُدّدت شخصياتها إلا أن مضمونها لا يبرح ينمّ عن غموض صاحبها، فهل تعكس كتابات الكاتب شخصه الحقيقي؟ وهل هي جزءٌ من تركيبته النفسية والذهنية؟ وهل يطمح الكاتب بكلماته رسم عالم وردي يتمنى أن يراه في الواقع وينعم فيه؟ أم يهربُ من سلبياته فيحاول وصف علاجٍ فعالٍ لها في غيره؟ أم هو يعرض  ايجابياته محاولاً تكريسَها في المتلقي؟ أم هي عواطف ومتمنيات تصدر من أعماق نفسه المتألّمة ليَحصد بها الشفقة والحنوّ، أم هو صراع الخير الذي يحاول به كبح جماح شرارة الشر المتجذرة فيه،  أم أن الكاتب لا يعدو أن يكون ذاك الخيال المحلّق الذي تارةً يبدو نبيّاً ممجّداً وتارة متمرداً على كل القيم والأعراف.
يحدث أن تُقبل على كتابات أحدهم بنهمٍ كبير، فتصل الليل بالنهار تلتهم الصفحة تلو الأخرى حتى تتورّم عينيك، تشدك أفكاره النيّرة السابحة في بحرٍ من المبادئ والأخلاق والمُثل، ويسحبُك تعبيره المتناسق الغارق في معاني الفضيلة والسموّ، ويحدث أن تُصادف في نفس الفترة نفس الكاتب على فضائية من الفضائيات لكنّك لا تعثر فيه لا على مُثلٍ ولا على قيمٍ ولا على مبادئ، وإنما جثّة منبطحة على أريكة فخمة ترى نفسها الوحيدة من بين كل الخلائق الأخرى من أُوتيت منذ صباها فطنةً حادة، وذكاءً متوقداً، وعلماً منقطع النظير، وكانت تقرأ باستمرار أمهات الكتب والمراجع منذ أوّل عهد لها بالقراءة، وانكبّت على الدراسة والتعلم الذاتي في شتى العلوم والمدارك، وكانت الأولى على دُفعتها وتفوّقت على أقرانها تفوقاً شاسعاً، فجُعلتْ هذه الجثة المتكلمة على رأس الخلائق كلها، وجُعلت الخلائق من أسفلها.
يحدث أن تصادفَ ذلك، لكن المؤسف أن صورة هذا الكاتب تضمحلّ أمامك كما يضمحلّ زبد البحر بعد ارتطامه بالصخر، فتحسُّ بشساعة الهوّة بين ما تخطهُ يداه في الأوراق وبين ما تنثرهُ نفسه المريضة إلى الخارج، وكأن أغشية معتمة كانت تحجبُ الرؤية عنك فتبدأ في الانكشاف مثلما ينكشف الصباح من ظلمة الليل، حتى تُقسِم أنك لن تعود إلى حرفٍ واحدٍ مما يَكتُب، ويحدث أن تسمع الكثير من اللغو والكلام القبيح في شخصِ كاتب، حتى تتشكّل في ذهنك صورة قاتمة عنه أشدّ من سواد الليل الحالك، وتُشوَّه ملامحُه تشويهاً إلى أن يصير شبحاً تهرب منه أنّى سمعتَ سيرتَه، ويُكفَّر حتى يُخيَّلُ إليك أن ما من كافرٍ غيرهُ فوق الأرض، ويحدث أن تُصادف في قناة من القنوات حواراً معه، فتتراجعُ وتنفرُ منه، إلا أن شغفكَ يجذبكَ ليقهر الخوف في داخلك، ثم لا تلبث أن تجلسَ لتسمعَ له وتتأكدَ بنفسكَ من كل ما قيلَ لك عنهُ ونَقلته أنتَ للناس، فإذا بصاحبنا أصيل المعدن، ليس لأنّه كاتب، ولكن لأن تواضعه ونقاوة قلبه صنعت منه كاتباً فذّاً مستحَقَّ اللقب، فيُسألُ ويُجيب، وكأن كلماته تخرج كالأصداف اللامعة ليُحدث انسيابُها موسيقى عذبة تطمئن نفسُكَ لها، وتقرأ في نبراتها آياتِ الصدق الدفين، كيف كنتُ غافلاً حينما آمنتُ بما آمنَ به الآخرون بحكمهم المجحف على كاتبٍ كهذا؟ إنه صادق فيما يقول وباطلٌ ما يقولون، إن كتاباته تعكس شخصيته حرفاً بحرف وكلمة بكلمة، وإن إنسانيته تتدلّى الآن أمامي كما يتدلى عنقود العنب الممتلئ من غصن الكرمة، وهي كذلك كما كان يرسمُها بطرف قلمه، لا تزيد ولا تنقص، غير مزينة بأكاليل زهور الأقحوان والبنفسج، إن العوالم التي تحدّثَ عنها في قصصه ورواياته هي نفسها التي ينعكس صداها الآن في مُقتلَه، وإن الرحمة التي طالما خطتها أنامله في أحداث ومواقف هي نفسها ما تُعبّر عنه قسماتُ وجهه وتعبيراته، وإن الحب الذي طالما تغنّى به بين الحبيب ومحبوبته والأم ووليدها هو نفسه الحب الذي يتساقط كالشهد من شفتيه المتشقّقتين، وإن الألم الذي فاض من قلبه على ضفة الإنسان هو نفسه الهمّ الذي يفصل بين كل كلمةٍ وأخرى مما يلفظُ لسانُه، لم  يكن أبداً ذاك الشخص الذي تحدثوا عنه بغلٍّ ووصفوه بحقد، ولعلّ الغلّ هو من كان سبباً في هذا السور العظيم بيني وبينه، وبيني وبين كثيرين مِثله.
إن الكاتب الحقيقي لا يتخذ الكتابة عرشاً عاجياً يرى منه نفسه فوق كل الخلائق، فيصيبُه مرضُ التكبّر ويستهويه اللّقب، فإن كَتبَ خيراً فالأَوْلى أن يكون من أهله، وإن دعا لنصحٍ فالأجدر أن يتّبع أثَره، وإن وصف شرّاً أو طبعاً منفّراً فالأفضل ألا يكون من  أتباعه، فهو في هذا المقام مصدر الثقة ومنبع الفضيلة.
والكاتب المزيّف هو من تتحطّم كل اللوحات الفنية التي رُسمت له بمجرّد أن يتفوّه بجملةٍ واحدة، فالأفضل لك ألاّ تعرفه وألا تعرف سيرته، وألاّ تثق به أو تُجلّه، بل قدّر فقط قيمة القلم في يده واحترم مداده الذي طالما قدّسه الناس وعبدوه، والأفضل لك أن تغوص في عوالمه الجميلة المشيّدة خلف واقعٍ آخرٍ من العجرفة والتصنّع، ولا تهجر كتاباته فقد تكون عصارةً معقدة لحياةٍ حُبلى بالصدمات ونكران الجميل، جعلتْ منه مريضاً مكرهاً ذَا شخصيتين يجد أحلاهما فيما يكتبُ لا فيما تتجلّى للناس، فتكون بذلك أنتَ الإنسان الحقيقي وهو بقايا إنسانٍ تُحاول التشكّل!
فقد لاقت كتاباتُ نجيب محفوظ على سبيل المثال انتقاداً واسعاً ممّن يفهمون صنعة الأدب وممّن يجهلونها على حدٍّ سواء، فقذفوه بالكفر، واتّهموه بتدمير الأجيال الصاعدة وحثّها على الرذيلة والانحراف، لكنك إن استمعتَ لمجالسه وحواراته ورأيتَ تقرّبه وتذله  للناس، لوجدتَه من أطيب خلقِ الله، ولن تتخيّل سعادته بمقابلة مُحبيه وطريقة تحدثه مع وسائل الإعلام بعيداً عن الأنة والتكبّر وهو صاحب جائزة نوبل للآداب أعظم جائزة أدبيةٍ على الإطلاق، في حين تجد غيره ممّن تقمّصوا دور الكاتب لا يتعاملون بلطفٍ مع العامّة، ولا يُعيرون اهتماماً للإعلام الهادفِ ناهيك عن مَشيهم مشيةَ الطاووس ورفعِهم للصوت كزئير ملِك الغاب، رغم أن إنتاجاتهم الأدبية الرديئة قد لا تتعدّى مقدمةً كتَبها نجيب محفوظ أو غيره ممن يُشبهونه، أو قصيدة واحدة لنِزار قبّاني خطها في مقتبل شبابه.
قد تجد كاتباً متخصصاً في قصص الرعب يخاف من خَياله، وقد تجد في قصصِ كاتبٍ اشتُهر بشجاعته ومواقفه الكثير من بالجُبن والخذلان، وهذا لا يُفسد عمله بقدر ما يفسدُه كذبُه إن هو كتب صدقاً ووفاء، وتلوّنه إن هو كتب ثباتاً وصبرا، ووقوفه مع الظلم إن هو أظهر الحق ودعا إليه، فكل هذا لا يستقيم ولقبُ الكاتب قد حُمّل على عاتقه، فيموتُ قبل أن تموت كتاباته، أما الكاتب الذي يعرف قيمته ومكانته وإن مات في شخصه، إلا أن كتاباته تشهد له بالحياة!

الأربعاء، 8 أغسطس 2018

قيمة المناظرة في إثراء الفكر الإنساني

الحوار الفكري البناء هو الذي يرفع مستوى النضج الإنساني لينعكس إيجاباً على مختلف المجالات، هو البوصلة التي تحمي البشرية من الانسياق نحو طريق الهاوية، هو الذي يفتح شهية النخبة المثقفة لتُفصح عن أفكارها ورؤيتها الخاصة لماهية الأمور من حولها، هو الذي يُعبّد الطريق لفكّ طلاسم الخلافات الفكرية والعقبات الإنسانية التي تقف سدّاً منيعاً في وجه أي تقدم منشود، هو القارب التائه في عرض البحر يدنو شيئاً فشيئاً نحو ضفة الحقيقة، هو الذي يُشعر الإنسانَ بوجوده ويضمن له بقاءه، هو الذي يُثمّن قيمة ما يملكه الإنسانُ حتى يكتشفَ به ما لا يمتَلك، وهو ردُّ فعلٍ طبيعيٍ مواكبٍ لتغيرات المجتمعات الإنسانية وتعاقب الحضارات، فالركود الفكري لا يمكن أن يوصل سوى إلى واقعٍ من الانغلاق والعدمية، وإذا كنتَ لا تريد فكر الغير المغاير لفكرك، فأنتَ بذلك تحكم على فكرك بالإعدام والتلف قبل أن تُصدر أحكاماً على مخالفيك.
وعندما نقولُ الحوار البناء، فالمقصود هنا الحوار المُفضي إلى نتائج مقبولة ومعقولة، مع تجنّب النقاشات البيزنطية العقيمة، يُقال أنّ من بين أسباب سقوط الإمبراطورية البيزنطية دخول رُهبانها في نقاشاتٍ لا تُجدي نفعاً كمسألة ما إذا كانت الملائكة ذكوراً أم إناثا، وحول من وُجدت قبل الأخرى الدجاجة أم البيضة وما إلى ذلك....
لا ترفض فكرة أي شخصٍ مهما كانت، لأنها لا تعدو أن تكونَ استفزازاً لمبادئك وأفكارك، وهنا تكمنُ قوّة المحاور، وهنا يقوى ردّه قبل حتى أن يبدأ بطرحه، ورفضكَ للفكرة هو إيذانٌ بعجزك عن كشفِ افترائها وهو هروبٌ من مواجهتها وبالتالي انتصار صاحبها عليك، أما إذا صرّحتَ بعدم قدرتكَ على مناقشتها مع تقبّل طرحها بكل احترامٍ وإيحالها على الجهة المختصة الموكل لها النظر والحكم، فأنتَ بذلك قد أبنتَ عن موقف المخلصين لقيمة العلم وقدسيته، ويبقى المهم في نهاية المطاف أن النقاش قد يُثير العديد من ركائز البحث، ويُؤسس لقاعدةِ التقارب، ويُلهب شففَ المعرفة، ويُشكل مادة دسمة للباحثين المتخصصين، وربما يكشفُ بعض نقاط التلاقي أيضا.
فدخول مقام النقاش يقتضي بادئ ذي بدءٍ تقبل الفكرة المحورية، بمعنى الإنصات لها وعدم احتقارها وسبّ صاحبها وهذا دليل على نضج ورقيّ المحاور، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة سوى الرسل والأنبياء، ولا أحد من البشر معصوم من الزلل سواهم، لأن القاضي النهائي هو الله سبحانه وتعالى، ونحن لسنا مجبرين على إقناع الآخر والاستماتة في ذلك، أو الاقتناع منه والاستسلام له، قال تعالى: "لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدي مَن يَشَاء"، فالهداية هداية الله، والاقتناع هبة منه سبحانه، ولا تظن أن الناس تقتنع لأول وهلة، وبعد كل مناظرة، ولكن الأمر يتطلب صبراً طويلاً وليناً كبيرا، فرسالة محمد كانت حملاً ثقيلاً على كاهل بعض صناديد قريش، فكونها ساوت بين الغني والفقير والسيد والعبد والأبيض والأسود جعل من الصعب عليهم تقبّلها والانصياع لها، وإنما احتاج الأمر مع بعضهم إلى زمن طويلٍ فتح المجال أمامهم لمراجعة أفكارهم ومعتقداتهم وإعمال عقولهم وضمائرهم، فما كان عليهم إلا أن أسلموا لله بعد ذلك من تلقاء أنفسهم. قال تعالى: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".
إن حضارة المسلمين كانت حبلى بالنقاشات الدينية، وقد اعتبرت العِرق النابض لهذه الحضارة، وعلى إثرها أُسّست العديد من الفرق والنحل والجماعات وذاع صيتها، وكتبت مجلداتٌ لا تعدُّ ولا تحصى أثرت المكتبة العربية الإسلامية، ولم تكن تُعتبر من الحرام يومها وإلا نفرَ الجميع منها، ومن بينها مناظرة عبد الله بن عباس للخوارج حينما خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبين الشيخ السلفي المعروف ابن تيميه المتمسك بالكتاب والسنة والإجماع، وبين الشيخ أحمد بن عطاء الله السكندري من كبار علماء التصوف، وحدثت هذه المناظرة التاريخية في عصر الملك الناصر محمد بن قلاوون بسبب ظهور أشياء عند الصوفية فيها استخفاف بأداء العبادات كما كان يرى الطرف المقابل. وجرت مناظرة بين بن تومرت وفقهاء دولة المرابطين بالمغرب الأقصى، وذلك بأمر من والي المدينة فتفوّق عليهم، ولم يجد الوالي إلا أن يطرده من فاس، فمضى إلى عاصمة البلاد مراكش، وهناك عاود مناظرة فقهاءها ثانيهً فغلبهم مرة أخرى، فطُرد أيضا من المدينة، وذهب إلى أغمات ثم إلى قريته بالسوس الأقصى، واستقرّ هناك رغم أنه ادعى المهدوية. ومن أشهر المناظرات كذلك مناظرة أبو عبد الله حسين بن منصور الحلاج مع محمد بن داوود قاضي بغداد،  لكنها انتهت مع الأسف بصلبه بباب خراسان علي يدي الوزير حامد بن العباس في أفظع نهايةٍ تعرفها مواجهة بين آراء متباينة، وتناظر الفلاسفة اليونانيين كأفلاطون وسقراط  وشكّلت محاوراتهم إثراءً لا يمحى للفلسفة الإنسانية.
وتناظر الرسول عليه الصلاة والسلام مع نصارى نجران، فتجادلوا في نبوته وفي دين إبراهيم وعيسى ابن مريم، قال ابن عباس‏:‏ اجتمعت نصارى نجران، وأحبارٌ من اليهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعُوا عنده، فقالت الأحبارُ‏:‏ ما كان إبراهيمُ إلا يهودياً، وقالت النصارى‏:‏ ما كان إلا نصرانياً، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ على لسان رسوله‏:‏ "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ في إبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ"، وكانوا يُعلنون الكفر صراحةً ويتكلمون مع رسول الله بغلظة حتى أنهم صلّوا صلاتهم في مسجد المسلمين فأرادوا أن يردوهم فمنعهم رسول الله، وكان الرسول يخاطبهم وهم يعلمون أنه مبعوثٌ من الله ولكن الكبر والحسد والتجبّر يمنعهم، وكيف السبيل إلى مجادلة إنسان تعرف أنه متأكد تماماً من ضلالة رأيه، وسلامة رأيك، إلا أنه يتحداك لا لشيءٍ سوى لأنه يكرهك ويحقد عليك، ورغم هذا التعنّت البشري الراسخ لم يُبدِ الرسول من جهته أي امتعاض من محاورة هذه الفئة والردّ على خرافاتها بخُلقٍ حسن، وكذلك يجب على كل مناظرٍ أن يكون.
وفي العصر الحديث ما تزال المناظرات الدينية قائمة على قدمٍ وساق، رغم اختلاف أساليبها، فتناظر البنا وطه حسين، وفرج فوده والشيخ محمد الغزالي، وتناظر الشيخ أحمد ديدات مع القساوسة المسيحيين، وتناظر المتنصّر الأخ رشيد مع عدد من شيوخ الإسلام، وغير ذلك كثير.
والمناظرة القويمة تتطلب الدراية والعلم بموضوع النقاش، والإحاطة به من جميع جوانبه، وتتطلب قدراً واسعاً من الحلم والإنصات والتقدير، وضبط النفس ورحابة الخاطر والابتعاد عن التشبث بالرأي والتعصّب له، وتجنّب الأحكام الجاهزة المسبقة مع صفاء الذهن وسلاسة التفكير، ولذلك يقول الشافعي رحمه الله: "ما ناظرتُ عالماً إلا غلبته، وما ناظرني جاهل إلا غلبني".
ولعل تُراثنا وثقافة مجتمعاتنا تجعل من إثارة بعض النقاط للمناقشة والتمحيص خروجاً عن المألوف، وزيغاً عن الصواب، وبالتالي فالتراث العربي في مجمله كبحَ جماح الحوار المختلف البناء، فأثّر ذلك بشكل سلبي على حرية الرأي والمعتقد وتعدّد وجهات النظر، ولكل من أراد التعمق أكثر في هذه النقطة عليه أن يعود لكتابات الجابري وجورج طرابيشي في الموضوع.
إذا لم تُفكر فيما ينفع الإنسانية ويجمع شملها ويُوحّد أفكارها ويقرّب وجهات النظر بينها، فإنّك حتماً ستفكر فيما يضرّ بها ويفرّق أفرادها ويحرّك بينهم مشاعر الرفض والانتقام، فاختر لنفسك أي طريق تسلك، فالطريق الأولى ستنتهي بنا في يوم من الأيام إلى مجتمع متسامح متآلف، والطريق الثانية ستنتهي بنا في الغالب إلى مجتمع منغلق متطاحن يعود شيئا فشيئا إلى العصور الحجرية. والمناظرة يجب أن تكون ثقافة تُربى في المجتمع، وتُنمى في الأجيال الصاعدة، ولا تقتصر فقط على الأمور الدينية المحضة، بل تُفتح أبواب المناظرات على مصراعيها لحل مسائل السياسة والاقتصاد وآفات المجتمع، ولا بدّ لنا من تهيئ مجتمعٍ يُنصت فيه أفرداه  إلى بعضهم البعض، ويحترمون آراءهم فيما بينهم رغم اختلافها، فالتشبث بالرأي لا يدلّ على صحة رأيك، والإنصات لغيرك لا ينمّ عن ضعفٍ منك، واقتناعك بفكر الآخر لا يدلّ على انهزامك أمامه وانتصارهِ عليك، وإنما يدل على سموّ فكركَ واحترامك لفطرتك.

الإنسان ضعيف.. لا تطلبوا منه المستحيل!


تُريدون من الإنسان أن يُقاوم حتى لا تجد مقاومتُه ما تُقاوم، تريدون أن يتحمّل جبالاً من الصبر وشظف العيش والحرمان فلا يتنهّد أبداً ولو تنهيدةَ الخلاص، تريدون منه أن يتحدى قوانين الطبيعة ويتحدى إنسانيتَه فيعيش خائفاً متهيّباً مما لا يُلائم إنسانيته، تريدون أن ينتظرَ في طابورٍ طويلٍ لا أوّل له ولا آخر، ولا ظلّ له ولا حافز، حتى إذا جاءَ دوره وجدَ السراب وانتهى به الانتظار إلى بهتانٍ عظيم.
تريدون من الإنسان أن يفعلَ الخير ولا خير يُفعلُ له، أن يكون صادقاً مع الناس، ولا صدقَ يتعامل معه، أن يكونَ متفهّماً للأمور من حوله ولا أحد يتفهم معاناته أو يحس بتعاسته وشقاءه، تريدون منه أن يبتسم حين تُفضلون في وجهه الابتسام، وأن يُكشّر حين تدعو الأوضاعُ إلى مزيدٍ من الاستياء والحزن، تريدون أن يكون على أُهبة الاستعداد حين يُطلب منه التفاني في خدمة قضيةٍ أو الدفاعِ عن وطن، ولا يلتفتُ إليه أحدٌ حين يكون أحوج إلى أن يلتفتَ إليه أحد.
هو إنسانٌ متوجّع، أضنته المواجع وكسَرت ظهره وجرفته إلى أعماق الهاوية، وكأنه اقترف كل ما على هذه الأرض من ذنوب، لا يفرُّ إلى بصيص الأمل إلا ويفرُّ منه، ولا يعزِمُ على الرحيل إلا وتَغدرُ به الأمواج، ولا يهربُ بنفسه إلى التلال الخاوية البعيدة إلا وتطرده الأمطار والعواصف في حرّ الصيف، ولا ينزوي وحيداً بعيداً عن الخَلق إلا وتطارده الأشباح والكوابيس، فهو لم يُصفِّ بريئاً، ولم يُجوّع محتاجاً، ولم يَسجن مظلوماً، ولم يفترس حمَلاً وديعاً في ظلمة الليل، ورغم ذلك فهو الموشوم دائماً بوشم الخطيئة، والموصوف دوماً بأوصاف الجُرم والكبيرة، والمغدور من أقرب الناس إليه.
هو ليس بمجنون، وإن كان الجنون يتلبّسه من هول الجوع والعطش فيهذي بما لا يفهم، ويأتي بما لا يُقدّر، وليس هو بقاتل، فالقتل آفة الحِقد والعبث لا يدفعه إليها سوى همزٌ من شياطين الإنس وما أكثرهم، وليس هو بكاذب، فالكذب عادةُ العصر تخترق شرايينه من كثرةِ ما يسمع من لغوِ الكذب وأفعاله، وليس هو بظالم، فكيف يكون المظلوم في حقّه ظالماً والظالم هو المظلوم، وليس بقاسي القلب، فقد أوتي قلباً كبيراً لو تجلّى في عذريته للناس لكفاهم رحمةً ورأفة، ولأنبتتِ الأرض منه أزهاراً سترت قسوة القدر وإرهاب الزمان.
هو مخلوقٌ لا يضرُّ أحد، ولا يُسيء لأحد، وقد يضرُّ ويُسئ فعلاً إذا أُسيء إليه، أو ضرَّه مكروهٌ من أحد، وكذلك طبيعة كل مخلوق، ولقمةُ خبزٍ عفيفةٍ كريمةٍ قد تُشكّل له الغِنى والمُلك، وحقٌّ يراهُ ويعيشُه قد يكفيهِ عن أي شيء آخر، وأمنٌ يتقلّب فيه قد يُهلّل وجهه ويُنسيه بعضاً من آفاته، لكنه قد يُكشّر أنيابه إن غاب هذا وذاك.
ماذا تريدون من الإنسان؟ إنه كائنٌ ضعيف خُلق ضعيفاً، فلا تنتظروا منه أن يخترق آفاق السماء ليأتي لكم بما تطلبون، أو يحفر بأظافره في الصخر ليستخرج لكم الماس الذي تعشقون، أو يستلقي على بطنه مع أقرانه واحداً تلو الآخر ليصنع لكم طريقاً معبدةً تمرّون منها لتُحققوا نزواتكم الجامحة، لا تنتظروا منه كل هذا، فالإنسان ضعيف.. وأنتم من أضعفتموه!

وحين يحلم بأرضٍ في أرضه فلا يجد لذلك سبيلا، وحين يحلمُ في أرضهِ ببيتٍ يأويهِ ويأوي عياله فلا يجد لذلك مُلتفتا، وحين تتكالب عليه الأمراض والأسقام من كل جانب فلا يجدُ من يمنحه ثمنَ الدواء، وحين يصعد قمة الجبل يتأملُ السائرين إلى الكُتّاب وهو يُصوّب بيده الصغيرة ناياً من قصب لينشدَ به لحنَ الأحزان، وحين يُطردُ من أرضه فلا يجد حتى من يُودّعه ويضمد جراحه ويواسي هجرتَه المريرة سوى دموعه الباكية المنهمرة، تريدون منه كلَّ شيء وأيَّ شيء والكثير من الأشياء الأخرى، ولا تُعطونه من نصيبه أي شيء، فلماذا تطلبون كل هذه الأشياء ولا تُحقّقون له ولو قدرا ضئيلاً مما تطلبون؟
تريدون منه أن يتحول إلى بطلٍ مغوارٍ لا تُرهبه قوّة الطبيعة العاتية، ولا تقسمُه نوائبُ الدّهر المتوالية، وهو عاجزٌ كل العجز عن تأمين لقمة عيشٍ واحدة، تريدون منه الفضيلة المُثلى وأنتم تصنعون حوله كلَّ قبيح، وتسبّونه حين يتمرّد على التقاليد والعادات أيّما سبٍّ، وأيّما احتقارٍ، وأيّما تهجم، بيدَ أن كل التقاليد المضنية المعقّدة الطويلة ليس فيها تقليدٌ واحدٌ يحثُّ على صون حقوقه والإشفاق عليه، واحترام أحلامه والإنصات له، والأخذ بيده إلى طريق الحياة، تُريدونه ساحراً يصنع من واقعه العجائب، يُحوّل الصعب إلى لِين، والرخيص إلى عقدٍ ثمين، يبلعُ الغصّات المقهورة في أحشائه درراً من المتاع الموهوم، ويُوجد اللقمة قبل أن تلفظها الحقول الجدباء.




الأربعاء، 18 يوليو 2018

كوابيس عصر التفاهة




الكابوس 1
وقفتُ أطل على مسرحٍ مهيبٍ  تتمايل فيه الرؤوس كما تتمايل ألسنة الزرع،  صوتٌ مرتفعٌ يكاد يخترق أبواب السماء السبعة، ضجيجٌ وهديرٌ مدمّر لمطرب يغني بلا هوادة، بملابس رثة ممزّقة وشعر منفوش مفتول متفاوت المقاسات، همستُ في أذن صاحبي: ماذا يقول هذا الشخص؟ هل تفهم منه شيئا؟ رد علي وأطرافُه ترتعدُ من هول الموسيقى وكأنَّ به رعشة برد،  ليس المهم ما يقول، المهم ما يفعل.

الكابوس 2                                      
أصابني الملل من كثرة البحث بين القنوات الفضائية عما يمكن مشاهدته في هذا اليوم الممطر البارد، عرّجت على مسرحية مصرية فوجدتها أكثر مللاً مني، توقفت عند فيلم سينمائي من فترة الثمانينات، فوجدته تافهاً مثل عنوانه، واصلتُ التنقل بين القنوات لا أجد فيها غير مشهدٍ واحدٍ متكرّرٍ لرجلٍ يُدير حواراً حاداً بين جمعٍ من الشخصيات المتأنّقة في لباسها، يجلسون حول طاولةٍ تارة تكون مستديرة الشكل وتارة تكون مستطيلة، ثم سرعان ما عُدتُ إلى المسرحية الأولى فلعلّها أصدق مما يُنكّت هؤلاء!

الكابوس 3
تلقّيت على هاتفي دعوة عاجلة لحضور ندوة ثقافية في المركز العربي للإبداع والحوار،  كان عنوانها "واقع العرب في ظل التحديات الراهنة"، فسُررتُ جداً كوني أباشر بحثاً في الموضوع ولم أعثر على مراجع مهمة فوجدتها فرصةً سانحةً للاستفسار عن بعض التساؤلات والتزود بالإحصائيات في هذا الشأن، لكنني لا أعرف مكان المركز، ولم أسمع به من قبل، سألتُ سائق تاكسي عنه فكان مثلي لم يسمع به قط، استعنت بمحرك البحث الحاج غوغل فلم أجد فيه ضالتي، وكان موعد الندوة قد اقترب، ففقدت الأمل في حضورها، وقررت العودة أدراجي، وبينما أنا أترجل دون واجهةٍ محددة، راعني فجأة حجم يافطة كبيرة معلقة على باب إحدى البنايات الضخمة وقد كُتبَ عليها بخطٍّ عربي أصيل "المركز العربي للإبداع والحوار"، تبسّمتُ لغرابة الصدفة، وهممتُ بالدخول إلى المبنى مسرع الخطى متجاوزاً بابا شاهقةً زُيّنت بنقوشٍ ذهبية رفيعة، استوقفني أحد الحراس وأخبرني بأن الندوة قد أشرفت على  نهايتها، وهم الآن في طور قراءة وتوزيع البيان الختامي، أحسست بالإحراج والخيبة وطلبت منه بكل لطف نسخة من البيان، فمدّها لي بعناية دون تردد، ألقيت نظرة عليها وحاولت جاهداً قراءة جميع سطورها، ثم استدرتُ مطأطئ الرأس وغادرتُ المكان والغضب يقهرني.. يا لتفاهة الصدفة!

الكابوس 4
سُررتُ جداً حين أخبرني صديقي بمقابلاتِ توظيفٍ تجريها شركة كبرى للاتصالات، هاتفتهم على الفور واتفقنا على موعد المقابلة، خمسة أيام كافية كي أعد نفسي من جميع الجوانب، فكرتُ في بذلة رسمية أنيقة فتبادر إلى ذهني صديقي صهيب ضابط الإيقاع المشهور، لن يتردد أبداً في منحي إياها، أما الحذاء فسأطلب من إسكافي الحي وهو صديق مقرّب أجود ما يملك من أحذية الزبناء، أو أن يُرتق لي حذائي كالعادة، فقد بتُّ أزوره كل يوم تقريباً حتى لم يجد المسكين ما يلملم فيه من كثرة شروخه، أحتاج ساعة يدوية جذابة، فقد شاهدتُ في التلفاز أن مقابلة التوظيف تحتاج لهندام أنيق أشد الأناقة، قفز إلى ذهني مباشرة صديقي شعيب بائع الهواتف النقالة، لا بد وأن أطلب منه ساعته اليدوية الأنيقة فلن يردّني خائبا، كل شيء مرتّب والملابس ستكون جاهزة بعد أيام معدودة، عليَّ أن أركز أكثر في الاختبار الشفوي وأستعد له، مرّت الأيام بسرعة الصاروخ وحان وقت الذهاب إلى الشركة فموعد المقابلة لم يبق عليه زمنٌ طويل، يا له من أسبوع منهك أظنني لم أعش في حياتي أسبوعاً كاملاً بهذه الحركة، وصلت مقر الشركة بعد بحث طويل فالزحام كان شديداً يومها، دخلت منهكاً إلى مكتب الاستقبال والضغط النفسي والذهني يفعلان في نفسي فعلهما، توجهت إلى سكرتيرة جميلة لم تنتبه لدخولي ولا للباسي ولا لرائحة العطر التي غلبتْ عليها رائحة دخان السيارات.
-صباح الخير، أنا خالد سليمان، سأجري مقابلة توظيف بعد خمسة دقائق من الآن، قلتُ هذا وأنا أحدّق لساعة صديقي الجذابة وأحاول أن أضبط نفسي وأبدوَ أكثر اتّزاناً.
نظرتْ إلي أخيراً من تحت نظارتها ثم عادت تُحدق من جديد في شاشة حاسوبها، ما اسمك؟
-خالد سليمان مهندس اتصالات..
رفعتْ سبابتها دون أن تفوه بكلمة، ثم أخذت تديرها في حركة دائرية عمودية بقُطر عيناي الشاخصتين، فهمت من الحركة أن المقابلة قد أُجّلت ليوم لاحق فسألتها:
-معذرة، هل أجلت المقابلة؟ فردّت ببرودة واضحة: لا.. بل أُلغيت!

الكابوس 5
كنت دائما ما أحرص على حضور الندوات الثقافية خصوصا تلك التي تهتم بالقضية الفلسطينية، فلا يمرّ الشهر إلا وأحضر ندوة أو ندوتين على أقل تقدير، لم أكن أفعل ذلك صراحة حباً في التيار الثقافي -سامحنا الله وإياه- وإنما عشقاً لسيرة فلسطين وعلمها الأسود والأبيض والأحمر والأخضر، وكنت كلما جلست في القاعة أتأمل صور القدس وقبة الصخرة وأشجار الزيتون وسحر الكوفية، لم أكن ألتفت لما يُديرونه بينهم من حوارات ومداخلات، وذات مرة قرّرت أن أدع هذا التصرف، وأن أحضر بكل جوارحي فأتابع ما يدور باهتمام وتركيز، وقد أتفاعل ببعض الأسئلة والملاحظات، فكان انعقاد ندوة شعرية في ذكرى يوم الأرض الفلسطيني، وأخذ كل شاعر يستعد لإلقاء قصيدته، وانطلق الأول يحمل ميكرفوناً في يده ويصرخ بأعلى صوت، كنتُ أتمنى أن أسمع من قصيدته كلمة فلسطين، أو القدس، أو الشهداء، أو الحجارة، أو أي رمزٍ يدل على حضور فلسطين في اعتباره ووجدانه، لكنني لم أسمع سوى كلمات الحب والغرام والغزل والغموض، مع تصفيقات حارة كل كلمة أو كلمتين، فحدّقت إلى علم فلسطين الجريح أمامي، وشردتُ كعادتي..
           
الكابوس 6
شيء ما يبدو من بعيد وأنا أهم بالخروج من البيت قاصداً مقر الصحيفة، شيء يشبه صندوقاً خشبياً حُشر في زاوية بالقرب من مخدعِ هاتفٍ عمومي، شدّني شغفي كالعادة فاقتربتُ ألقي نظرة، وإذا بها مكتبة صغيرة من ثلاثة طوابق، عُلّق على بابها الزجاجي الشفاف عبارة "ضع كتابكَ وخذ كتابا"، أعجبتُ بالفكرة إلى حدّ الدهشة، وبقيت لحظاتٍ في مكاني أتأمل المكتبة قبل أن أهم بفتح الباب  بحثاً عن كتاب آخذه، لم أبال أنني سأدفع مقابله مجلداً قيّماً أحمله في محفظتي لم أكمل قراءته بعد، لكنني ودون تردد قررت أن أضعه في المكتبة وآخذ كتاباً غيره، قلّبت بين الكتب القليلة المشتّتة وإذا بي لا أجد غير كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين، انتقلت إلى الرفّ الثاني فلم أجد غير هذا الكتاب، بحثتُ في الرفّ الثالث فلم أعثر إلا عليه، شعرت بحالة نفسية مزرية أقرب إلى الغثيان، ولم ألبث أن أعدت الباب سيرتَها الأولى وأرجعت مجلدي إلى المحفظة وانصرفت متثاقلاً خائباً مشتت البال. في اليوم التالي كانت المكتبة الصغيرة قد اختفت من مكانها ولم يبق من أثرها سوى بعض الأوراق المتناثرة، فقد حل محلها "كارو" لبيع مساحيق التجميل..

الكابوس 7
اندلع حريق مهولٌ في إحدى البنايات المجاورة لمقر الإذاعة والتلفزيون، تعالى الصراخ وازدحم المكان بالناس، تحوّل المبنى إلى كومة من نار ملتهبة يخرج منها الفارّون بين الحياة والموت وسرعان ما يتساقطون تباعاً قرب الباب الخارجي فتحملهم الأيادي المتشابكة دون عناية، حضر رجال الإطفاء بعد تأخير طويل فأخذوا يُجهّزون معدات الإنقاذ بكل أريحية، كنت على مسافة قريبة من الحريق، صُدمت لهول المشاهد التي لم أر مثلها سوى في أفلام السينما، رفعتُ وجهي اتقاءً لحرّ النيران فلمحتُ رجلاً يقف على حافة نافذة يحاول تجنب النار المستعرة في الداخل، يرفع يده اليمنى ويصرخ وكأنه يُلقي قصيدة قومية، اتجهت فوراً إلى رجل إطفاءٍ بجانبي وأنا أُشير له نحو الرجل المحاصر..
نظر إليّ باحتقارٍ دون ردّ فعل منه.. ثم قال: هكذا هم الشعراء.

الكابوس 8
كنت جالساً في المكتب صباحاً حينما دخل المدير باندفاعٍ شديد، ومن وراءه أحد التوابع مطأطئ الرأس، سمعت من العاملين أن وثيقة مهمة فُقدت من مكتبه، وهو الآن في حالة عصبية شديدة يقلب يميناً ويساراً دون جدوى، نهضنا جميعا من مكاتبنا ودخلنا في دوامة من البحث والتنقيب لا نعرف حتى طبيعة هذه الورقة وفحواها، تحولتِ الشركة وكأن عصابة سطو عبثت بمحتوياتها، بدا التوتر واضحاً على وجوهنا فقد يتخذ هذا المجنون قراراً متهوراً كعادته، استسلمنا للتعب والعرق ينصبُّ منا، جلس بعضنا على الأرض وبعضنا استلقى على كرسي المكتب، وبينما نحن نُنصت لصوت شهيقنا وزفيرنا خرج المدير من المكتب ومعه تابعه يحمد الله ويُثني عليه.. وفي يده ورقة حجزٍ لمنتجع صيفي..


الثلاثاء، 10 يوليو 2018

مشروع نهضة (6).. كيف تحميهِ صناعة التسلّح؟


إن سياسة الدولة الداخلية لا شك وأنها محكومة من سياسات خارجية، ولكي تفرضَ الدولة كلمتَها ويُحسب لها ألف حساب لا بدّ وأن تكون سياستها الخارجية قائمة على مرجعية عسكرية رادعة، تُشكّل بها مصدر قوة مؤثرة، وبالتالي تُحقّق السياسة الخارجية أُكلها وهي القدرة على التأثير والمشاركة في صنع القرار، هذا المناخ من فرض هيبة 
الدولة على المستوى الخارجي يجعل من السهل عليها أن تمضي بكل أريحية لتنزيل مشروع النهضة على أرض الواقع بكل مقوماته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

الخميس، 14 يونيو 2018

هل أنت كائنٌ مُبرمَج؟


إن برمجة الإنسان اليوم أمر ممكن، بل وهي شائعة في محيطنا وإن كنّا لا ندري ماهية هذه البرمجة وكيف تدور رحاها، والإنسان منا حين يُقبل على هذا العالم، فهو يأتي مهيّئاً للتفاعل مع برامج عديدة يجد نفسه منغمساً في تعليماتها منذ أن يعقل بوجوده في الحياة ويستوعبه. هذه البرامج عبارة عن خليطٍ معقّد من الموروثات والعادات والتقاليد التي تنعكس كلها بشكل مباشر على شخصية الفرد، وبالتالي تُقيّد حريته الطبيعية داخل مجتمعه، فيتحوّل إلى كائنٍ يردّد مجموعة من الأنماط والسلوكيات التي تدخل في نطاق نظامه المبرمج.

الخميس، 7 يونيو 2018

التعبد باللعنات !


عندما ترى أئمة الشيعة يُقيمون مجالس يلعنون فيها جهراً خلفاء المسلمين الراشدين وأصحاب رسول الله والتابعين ويُظهرون في ذلك إصراراً واستماتة كبيرة في رفع الصوت حدّ الصراخ وتِبيان التأثر والغضب والتفنّن في أساليب السب والشتم والقذف، تتبادر إلى ذهنك العديد من التساؤلات والاستفسارات عن طبيعة هذه العبادة التي يَحرص عليها الشيعة أشدّ الحرص، فيجتمعون في الحسينيات بالمئات ويجهزون الأبواق ومكبرات الصوت ثم يبدأ التعبّد والتقرب إلى الله عز وجل في أغرب صوره، فيبدؤون بعمر رضي الله عنه ومنه إلى أبي بكر ثم عثمان ثم ما بقي من المبشرين بالجنة، فينعتوهم بكلماتٍ يستحي البشر من نطقها، مع ذرف الدموع ورفع الأصوات وإبداء الخشوع إلى أبعد حد. فهل هذه الطقوس تمتّ بصلة إلى مبادئ الإسلام الحنيف؟ وهل جاء الإسلام بالحب والإيمان وتربية النفس وتهذيبها من كل دنسٍ وحقدٍ والانحراف بها إلى طريق النور هروباً من جحيم الظلمات؟ أم جاء يدعو إلى السب والقذف بأقذر الألفاظ والنعوت؟ وهل يتذوق هؤلاء حلاوة الإيمان مما يُقدمون عليه أم أن الأمر لا يعدو أن يكون إرثاً يُتوارث جيلاً بعد جيل؟ والأغرب أن هذه العادات هي من ركائز عبادة الشيعة وليس مجرد أعمال عارضة وأفعال زائدة، بل كلما سببت أكثر وتماديت في ذلك، كلما تقربت من الله أكثر، وكلما تفنّنت في إبداع السباب الفظيع الساقط إلا وارتفعت منزلتك عند الله في نظرهم، فيا لَغرابة صنيعهم ويا لَهول ما يفعلون! 

الخميس، 31 مايو 2018

التّسامح وفرص التّعايش بين الاديان والثّقافات.. دراسة في فكر ماجد الغرباوي



مقدمة: 
إنّ الحديث عن فرص التسامح والتعايش بين الأديان والثّقافات والسعي إلى بعث قيم التسامح من جديد من بين المواضيع التي تشغل الساحة الثّقافية العربية والإسلامية بشكل كبير خاصّة في أيامنا هذه، بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي، فقد أصبح هذا الموضوع رأيا عاما خاصّة في ظل تصاعد وتيرة الحروب الثّقافية وتفشي ظاهرة الخطابات التكفيرية التي أصبحت هاجسًا خاصّة للدول الضعيفة، وهذا ماحدى بالدول العربية والإسلامية إلى تكثيف الجهود أكثر سعيًا للحفاظ على الهوية الإسلامية وترسيخ قيم الفكر الوسطي وقبول الآخر بإقامة ملتقيات وعقد ندوات للبحث والتخابر في سبل إماطة اللّثام عن المخبوء في علاقته بالقوى العالمية الامبريالية التي تحاول إلصاق التهم بهويتنا الإسلامية، فالتحول الاستعماري اليوم أخذ سبلاً جديدة ووسائل عديدة مختلفة عن تلك التي عهدناها مع الاستعمار التقليدي المباشر.
لقد تغيّر السباق من مضمار التسلح إلى مضمار السيطرة الثّقافية، لتصبح الثقافة السائدة هي الثّقافة الغالبة، والثّقافة التابعة هي الثّقافة المستلبة من طرف الثّقافة الغالبة، وهو حال ما نراه اليوم من تلك العولمة الفكرية والاستلاب الثّقافي لبنية الهوية الإسلامية التي تشهد غزوًا رهيبًا لمقوماتها من طرف الثّقافة الغربية التي تحاول ربط الفكر التكفيري بتاريخنا، بطرق وأسالب متعددة ومتنوعة خاصة مع تحول العالم إلى قرية كونية صغيرة الأمر الذي زاد من وتيرة هذا الغزو المنظم في نظامنا الاجتماعي والسياسي ناهيك عن نسقنا الثقافي الفكري المبثوث في نصوصنا التراثية، خاصة في ظل التحول العالمي إلى نظام القطب الواحد وبالتّالي الثّقافة الواحدة إثر بروز معالم النظام الدّولي الجديد بداية من تسعينيات القرن الماضي.
من خِلال ما سبق سنُحاولُ في هذه الورقة البحثية اماطة اللثام عن ما قدمه المفكر العراقي ماجد الغرباوي في هذا الاطار باعتباره مثقفا تنويريا درس التراث بطريقة جديدة، من أجل تحرير العقل الاسلامي من قيد التراث. وعمل على ارساء قيم التسامح والحرية وقبول الآخر. هذه الخطابات التي يفتقدها عصرنا اليوم خاصة ونحن في زمن الحروب الثقافية وسطوة المركزية الغربية الساعية بقوة إلى الفتك بتراث وتاريخ الهوية العربية والإسلامية وذلك من خلال أليات العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، والتي باتت تفرض علينا فرضا في اطار الحوار الحضاري وعمليات التّثاقف والاستيراد القسري لتلك الانظمة الفكرية التي لا تمت بأي صلة لهويتنا الحضارية والثقافية فضلا عن الدينية، وهو ما أحدث ردة فعل عنيفة تمثلت في تفشي الخطابات التكفيرية والغلو والتطرف. وهنا نسعى لبيان بعض الحلول التي قدمها ماجد الغرباوي والتي نرجو من خلالها بث روح التسامح ونشر الخطاب الفكري الوسطي الإسلامي الصحيح.

نحو طرح اشكاليات التّعايش بين الأديان والثّقافات:
يُعتبر الحديث عن التّعايش بين الأديان والثقافات أحد أبرز الاشكاليات التي باتت تطرح نفسها اليوم، خاصة وأن عصرنا أصبح يتخبط في نوع من التيه الكبير بسبب عدول الإنسان عن التمسك بالبوصلة الربانية، فضلا عن علو صوت الخطابات التكفيرية المنتشرة هنا وهناك وهو ما زاد من حدة الصراع بين الثّقافات والأديان، هذا الموضوع الذي أصبح يؤرق الحكومات ويقض مضاجع السياسيين فضلا عن المفكرين المشتغلين بهذا الميدان لعل على رأسهم المفكر العراقي ماجد الغرباوي، فأمام موجة الاختراقات الفكرية من خلال نظريات عنصرية تروج للعنف وتعمل على تفكيك أواصر قيم التعايش والتسامح تطرح العديد من الأسئلة كيف لنا أن نرسي قواعد التّسامح والتّعايش في عالم يسوده الكره والحقد؟ وما السبل والأدوات الكفيلة للتصدي للسياسات الغربية التي تتعامل بها مع الدول العربية والإسلامية والتي تسببت في ظهور موجة العنف والغلو؟ وهل يمكن الحديث عن نوع من التّوافق الحضاري والديني في كنف التعددية الثّقافية والإنسانية؟.
جميع هذه الأسئلة المثيرة تطرح نفسها وبقوة في فكر ماجد الغرباوي الذي عمل وبشدة على فك شفراتها وايجاد الحلول المناسبة لها لتحقيق قيم التسامح والتعايش بين الأديان والثقافات.

الآخر في التراث ودوره في النهضة المنشودة
هل كان لتواجد الآخر في تراثنا العربي الإسلامي دور في النهضة وبأي صورة كان وجد هذا الآخر؟ وما الضوابط والمنطق الذي حكم تواجده؟. سؤال نستهل به سبر بحر آراء ماجد الغرباوي وحديثة عن التّراث ومكان الآخر فيه وفرص التعايش التي حضي بها وكيف كان دوره في بناء نسيج الحضارة العربية الإسلامية، وهو ما يطرح أسئلة عميقة عن حقيقة تواجد الآخر في تراثنا العربي الإسلامي ودوره في النهضة المنشودة.
يعتبر مفهوم النهضة والفعالية الحضارية عموما وسبل قيامها أحد أبرز الموضوعات التي اشتغل عليها كبار مفكرينا بالوطن العربي والإسلامي ومنهم الغرباوي. فهذا المفهوم من المفاهيم الجدلية التي تستعصي على الباحث لتداخله مع العديد من العلوم خاصّة علم الاجتماع وتطرح العديد من الإشكاليات المتداخلة التي يتخبط فيها عالمنا العربي والإسلامي الذي يرزح تحت وطأة الفصل بين الحياة الاجتماعية وتوجيهات الدين وهو ما أكده ماجد في ارجاعه أن السبب الحقيقي يعود إلى "قطع خيوط التواصل بين العقيدة والحياة الاجتماعية. فعقيدة التوحيد التي كان يعيشها الانسان المؤمن في بدايات البعثة الشريفة ممارسة حياتية يومية تطبع سلوكه واخلاقه، صارت تدور في مدارات عقلية بعيدة عن هموم الحياة ومتطلباتها"(1).
أمام هذا الخطاب نتبين مدى الأهمية الكبيرة لأثر العقيدة في تنظيم سير حياة المسلم فما إن تهنا عن الطريق تاهت حضارتنا وأصبحت تحكمها الشهوات وابتعدنا عن روح الإسلام السمح الذي يحث على بعث روح التعايش ونبذ العنف، وهو ما جعل غياب الأفكار الداعية للتجديد والتسامح تغيب بشكل كبير لتحل محلها خطابات الغلو والتطرف وبالتالي فقدان روح الانبعاث النهضوي.
يعرف المفكر الجزائري مالك بن نبي الحضارة بقوله: "إن حضارة ما، ما هي إلا نتاج فكرة جوهرية تطبع على مجتمع في مرحلة ما قبل التحضر الدفعة التي تدخل به التاريخ، ويبني هذا المجتمع نظامه الفكري طبقا للنموذج الأصلي لحضارته، إنه يتجذر في محيط ثقافي أصلي، يحدد سائر خصائصه التي تميزه عن الثقافات والحضارات الأخرى"(2) . وبتتبعنا لهذا القول المقتضب للحضارة يتبين لنا المرتكزات الأولية لبناء الحضارة من شروط روحية وأخرى مادية تحقيقا لتلك الفعالية المنشودة " مجموع منسجم من الأشياء والأفكار، بصلاتها ومنافعها وألقابها الخاصة وأماكنها المحددة، ومجموع كهذا لا يمكن أن يتصور على أنه مجرد تكديس، بل كبناء وهندسة، أي تحقيق فكرة مثل أعلى" (3) .

تجديد الخطاب الديني وفرص بعث التّعايش من جديد:
لطالما أكد ماجد الغرباوي على ضرورة تجديد الخطاب الديني الإسلامي فهكذا بوسعنا حسب ما ذكره أن نقيم نوعًا من الحركية الحضارية نحو تجديد بعث الخطاب الديني من جديد لتشمل النهضة جميع المجالات من فكر واقتصاد وسياسة وغيرها من المجالات، ليكون للفرد المسلم الدور الأبرز في هذا الحراك مستغلا الوسائل الضرورية لتفعيل حركة التاريخ وهندسة دورة الحضارة القائمة على التراث ومدى تواجد الآخر فيه بما يتلاءم والمعطيات الحضارية الموجودة بعيدا عن فكرة التكديس التي لم يكن لها وجود على مستوى الحضارة الإسلامية أيام الأندلس مثلا باعتبارها نموذجا تراثيا عالميا شهدت دورا كبيرا للآخر ومدى اسهاماته في قيام الحضارة الإسلامية، والتي ما كانت لتكون لولا فرص التسامح والتعايش التي قدمها الإسلام لهم، حيث كان التمازج الثقافي مع الآخر والعطاء العلمي والفكري في أوج ذروته وهو ما ذكرته المفكرة والفيلسوفة الألمانية زيغريد هونكه بعرضها لتلك النماذج التراثية العالمية التي قدمت الكثير للحضارة الإنسانية على اختلاف ثقافاتهم وتنوع مللهم ونحلهم.
ولكن بعد حين من الزمن انقلبت البوصلة الحضارية فلقد تعرض الإسلام والمسلمون في السنوات الأخيرة لحملة ظالمة من الافتراءات والمزاعم التي أرادت أن تلصق بالإسلام تهم التعصب والإرهاب، وترويع الآمنين، ورفض الآخرين، وغير ذلك من دعاوى لا أصل لها في الإسلام ولا سند لها من العلم ولا من الواقع التاريخي.
فالحضارة الإسلامية التي انطلقت من تعاليم الإسلام منذ أربعة عشر قرناً من الزمان قد ضربت أروع الأمثلة في التسامح والتعايش الإيجابي بين الأمم والشعوب من مختلف الحضارات والثقافات والأديان والأجناس، ولا تزال هذه التعاليم الإسلامية حية وقادرة على صقل عقل الأمة وتوجيه سلوكها وتعاملها مع كل البشر في كل زمان ومكان بعيدا عن خطابات الغلو والتطرف المقيتة وهو ما عبر عنه ماجد بقوله "خطاب الغلو نجح في ترسيخ بديهيات عقيدية، من خلال منهج مراوغ، يعتمد الاستدلالات الساذجة، ويستغل رثاثة الوعي، وانحطاط الثقافة، والبيئة المثيولوجية، فيشاغل وعي المتلقي بمضامين غرائبية خرافية عن الرموز الدينية، يغفلون معها سؤال الحقيقة. أي السؤال عن ذات الرمز وحقيقته قبل الحديث عن خصائصه ومعجزاته وكرامته. فعندما يشاغل النص الوعي الرث بأحاديث خارقة، مذهله، غرائبية لا يلتفت لسؤال الحقيقة، بل تصبح لديه منظومة بديهيات، ومبادئ عقيدية مسلّمة، تندرج ضمن اللامفكر فيه، والمقدس، الذي يحرم مقاربته، فضلا عن نقده. هذه البديهيات هي التي تمرر روايات الغلو، لتراكم مزيدا من المعرفة المشوهة، العقيمة"(4) .
فهذا هو الخطاب الديني المقيت الذي يدعو إلى ركود العقل والأخذ بالنص بكامل حذافيره دون إعمال للعقل أو الاعتناء بما يسمى بفقه الواقع ومتغيراته الثقافية والحضارية، وهنا يتم تغييب الدور الحقيقي للمثقف الحر الواعي وهو ما جعل ماجد يقول: "وباختصار إن الأمة بحاجة أولا إلى وعي رسالي تتجاوز به أزمتها، كي تتمكن من تحدي الممنوع، ولا يتحقق لها ذلك إلا بإعادة تشكل وعيها داخل فضاء معرفي، يستظل بمرجعيات تجدد باستمرار فهمها للنص الديني، في ظل المستجدات الحياتية المتأثرة بالظروف الزمانية والمكانية"(5).
فما إن تم تغييب دور المثقف برزت اثر ذلك خطابات الغلو والتطرف وانعدمت قيم التسامح والتعايش تلك القيم الإنسانية السامية التي لطالما دعا ديننا الحنيف وسنتنا النبوية إليها انطلاقا من قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾"(6) فإذا ما تم تغييب هذا الشعار فإن الفوضى والتشتت والحروب والغلو وشتى أصناف التطرف سيكون سيّد الموقف ولذلك لابد من تجديد الخطاب الديني وبعث سبل التسامح و التعايش فيه من جديد بعد كل هذا السبات العميق الذي ميز خطابنا الديني وهو ما يجعلنا نبحث في سبل تجديد تراثنا وبشدة.

تجديد التراث وسبل بعثه من جديد عند ماجد الغرباوي
يولي ماجد الغرباوي موضوع تجديد التراث أهمية كبيرة لما للتّراث من دور كبير في حفظ الهوية العربية الاسلامية خاصة وأنه يمثل الانطلاقة الأولى لأي نهضة فقد كان ماجد الغرباوي يطمح إلى انشاء استراتيجية نهضوية نابعة من تراثنا الديني تعترف بأهمية تواجد الآخر ودوره في اثراء الحضارة الإسلامية النائمة على فكرة التعددية الثقافية فالتراث منبع وأصل الهوية بدونه نفقد مقومات وجودنا فالهوية هي: "مركب من المعايير، الذي يسمح بتعريف موضوع أو شعور داخلي ما. وينطوي الشعور بالهوية على مجموعة من المشاعر المختلفة، كالشعور بالوحدة، والتكامل، والانتماء، والقيمة، والاستقلال، والشعور بالثقة المبني على أساس من إرادة الوجود" (7).
ولعل هنا يبرز كنموذج كبير لخطاب التعددية الثقافية نموذج العصر الأندلسي ذاك العصر الذهبي الذي تميز بانتشار كبير لمختلف التيارات الفكرية والدينية ورغم ذلك سادت قيم التسامح وكان الحب والتّعايش سيد الموقف فكان يعيش المسلم جنب اليهودي دون ترهيب أو تقتيل وهو ما جعل ماجد الغرباوي يدعو وبشدة إلى ضرورة تجديد التراث قائلا "ينبغي اعادة النظر في الوعي الذي تكون في اطار بعض النصوص الدينية والمرويات التاريخية" (8). وقد ضرب ماجد الغرباوي في ذلك مثالا بارزا في خطاباتنا التراثية وهو نموذج ما يسمى بالفرقة الناجية الذي يشكك بصحته دائما. حيث يقول بأن هذا الحديث: "لعب دورا كبيرا في تشظي الأمة، والإصرار على احتكار الحقيقة ورفض كل الفرق والمذاهب التي تحتفظ بوجهات نظر اجتهادية مخالفة، حتى بات الجميع إلا ما ندر يعتقد بخطأ المخالف مهما كان نوعه"(9). وهذا ليس من روح الإسلام السمح الذي يحترم باقي الأديان أو مختلف التوجهات الفكرية ويدعو إلى تعددية ثقافية في كنف الامة الواحدة.
لقد كان ديدن الإسلام منذ ظهوره قبل أربعة عشر قرنا من الزمن يرغّب أهل الكتاب من غير المسلمين بالإسلام داعيا إلى مكارم الاخلاق ومثمنا إياها لذلك شاعت حينها خطابات تحث على افشاء الخير ودحر نوازع الشر وخطابات التكفير البغيضة فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الناس معادن في الخير والشر خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)(10).
يقول ابن حجر رحمه الله: قوله: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام)، وجه التشبيه أن المعدن لما كان إذا استخرج ظهر ما اختفى منه ولا تتغير صفته؛ فكذلك صفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفاً في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس؛ فإن أسلم استمر شرفه وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية (11). وفي هذا يقول الإمام النووي رحمه الله: ومعناه أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس (12).
لكن عصرنا اليوم انقلبت فيه كل الموازين فخفت الوعي بمدى أهمية التسامح والتّعايش بين الأديان المختلفة وهذا ما يدعوا إلى ضرورة الوعي العميق بضرورة ابراز مثل هذه النماذج الدعوية لإعادة الأمور إلى جادة الصواب وحصر خطابات الغلو والتطرف فحسب ما ذهب إليه ماجد الغرباوي أنه "من دون الوعي لا يمكن تنطلي مؤامرات التزوير على الواقع والتاريخ والدين والحقيقة. ومن دون الوعي لا يمكن النهوض بمشروع حضاري مستقبلي يعتمد مرجعية فكرية وثقافية، مؤسس في ضوء المبادئ الإسلامية. إذن فالوعي أساس في نجاح المشروع الإسلامي، وهو من مهام المثقف الرسالي، الذي ينهض بهذا الدور، انطلاقا من مسؤوليته في تكوين عقل الأمة وتجديد هويتها الثقافية" (13) تلك الهوية الثقافية التي تعاني منذ زمن بعيد تيها كبيرا غياب العقل وسلب الإرادة وأفشى نوازع الغلو والتطرف، وهو ما جعلنا نغيب عن الساحة الحضارية بالعالم فلا دور لنا إلا تلقي الأوامر وتطبيقها بحذافيرها من طرف القوى العالمية فلا اهتممنا بتراثنا ولا بواقعنا الراهن فبتنا مأسورين مدحورين مقيدين لا حراك لنا وهو ما يدعونا إلى ضرورة التساؤل عن ما موقع المثقف الواعي من كل هذا.

دور المثقف الواعي في ايجاد فرص التعايش:
قديما قال الشاعر:
اقرأوا التاريخ إذ فيه العبر... ظل قوم لا يدرون ما الخبر.
بيت شعري على قلة حروفه لكن معانيه تحمل الكثير من الدلالات والسياقات التاريخية والحضارية التي تختزل العديد من الملامح المشكلة لتطور الأمم، لتميط لنا اللثام مبرزة تلك الملامح الكاشفة لبواطن ما اكتنف التاريخ من أحداث
وصراعات بشرية، مشكلة بذلك منعرجات حضارية خطيرة رفعت أمما عاليًا في السماء وأسقطت أخرى أرضًا في حين أخرجت الكثير من سياقها تمامًا معلنة أن لا مكان لها على الركح الحضاري لتحولات العالم وسياقاته، فالركح يا سادة شعاره "كن أو لا تكن" حكر على الأقوياء لا مكان فيه للضعفاء والجدير فيه بحمل وسام البطولة الحضاري من يثبت وجوده لا استسلامه.
يقول ماجد الغرباوي "ثم إن المثقف الإسلامي وعى الإسلام وعيا حضاريا اعتمادا على التراث وليس منفصلا عنه، من دون أن يعيش وهم الماضي، بل ينطلق منه لبناء المستقبل، فيستمد منه القيم لتكون أساسا في ممارساته الاجتماعية والسياسية، فلا يشعر بالغربة من القيم السائدة، وإن كان من ضمن اهتماماته إلغاء ما هو غريب عن قيم الإسلام والإنسانية" (14). فهذا هو جوهر الإسلام القائم على الجد والاجتهاد والوعي العميق بالتراث ودوره في الحراك الاجتماعي القائم على التعدد والتنوع وهو ما يفتح اشكاليات قيم التسامح والتعايش على مصراعيها وهنا يبرز الخطاب الواعي للمثقف الإسلامي الذي يحسن التعامل مع هذه الإشكاليات.
إن تكريس مفاهيم وقيم التسامح والدعوة إليها منهج متأصل في نصوصنا القرآنية وسيرتنا النبوية وكان للمثقف الإسلامي الواعي الدور البارز فيه وفي هذا تحدث ماجد كثيرا عن فكرة التعددية الثقافية وفق الرؤية الإسلامية التي تختلف اختلافا كليا عن مثيلتها الغربية. فالتعددية الثقافية وفق النظرة الغربية كما يرى ماجد الغرباوي "قامت باختزال الدين إلى مجرد تجربة روحية باطنية بمعزل عن الحياة يستطيع أن يعيشها كل إنسان، وفصلت ما بين الشريعة والدين" (15) وهو ما يعترض عليه المثقف الإسلامي الواعي وبشدة فديننا يتدخل في كامل تفاصيل حياتنا اليومية بل هو البوصلة التي توجهنا وتسير حياتنا بوعي وتبين لنا سبل التعامل مع الآخر وكيفية التعامل مع اشكاليات التعددية الثقافية التي لطالما أستفاض ماجد الغرباوي بالحديث عنها في مختلف كتبه.
وهو نفس الأمر الذي ذهب له المفكر المصري محمد عمارة بحديثه عن التعددية الثّقافية ودور المثقف في ايجادها حيث يرجع محمد عمارة أصول قيم التعددية الثقافية إلى السنة النبوية بالضبط في ميثاق المدينة المنورة التي اعتبرها عمارة بمثابة "الإعلان الإسلامي عن شرعية ومشروعية التعددية الإسلامية في هذه المساحات من الفكر وتطبيقاته وفي الأدوات اللازمة لذلك ومنها التنظيمات . تلك هي سنة الإسلام التي شرعت وقننت لمبدأ التعددية في الفكر الإسلامي وفي الممارسات الإسلامية منذ صدر الإسلام والتي بناء عليها وتطبيقا لمنهجها كانت تيارات الاجتهادات الإسلامية مصدرا لثراء الفكر الإسلامي على عهد الازدهار الحضاري الذي سبق عصر التراجع والجمود" (16). ولعل هذا يحيلنا إلى تساؤل آخر أكثر عمق هو كيف لنا أن نخرج من شرنقة ذلك الجمود والانسداد التاريخي الذي جثم على صدر الأمة لمدة طويلة جدا خاصة في ظل التخبط الكبير الذي يعاني منه سواء العالم الإسلامي أو العالم أجمع لعل ذلك الترياق نجده في الهدية النبوي في سنة التخلية قبل التحلية، ففي الهدي النبوي يوجد ما يسمى بالتخلية قبل التحلية ومن ثم يتحتم علينا تنقية الجو الاجتماعي العربي والإسلامي من الشوائب التي تشوبه وتعكر صفو عالمية رسالتنا القائمة على التعددية الثقافية والإنسانية، ومختلف قيم التسامح والتعايش بين مختلف الثقافات والأديان كحق انساني مشروع، ومن ثم يأتي دور التحلية فيتم التركيز على بعض الأمور المهمة التي تستلزم منا زرع قيم فرص التسامح والتعايش من تعددية ثقافية ودينية في اطار الأمة الواحدة، علما أن مثقفنا الإسلامي الواعي يملك كل المقومات والأسس لذلك انطلاقا من البوصلة الربانية والهدي النبوي القويم.
ولذلك لما غاب الوعي الحقيقي لدى المثقف بمجريات فقه الواقع فغاب عنا الفقيه الرباني الذي يحسن التعامل مع متغيرات العصر ومتطلبات المعرفة الجيدة بخبايا متغيرات النص أمام الأسئلة الفقهية الجديدة التي تطرحها التعددية الثقافية حيث يقول ماجد الغرباوي "في ظل هذه الظروف تشكيل عقل المسلم، وأعيد فهم الدين من خلال قوالب جديدة، فأصبح الدين مجرد علاقة خاصة بين العبد وربه، لا صلة له بالحياة الاجتماعية. ولما سارت تلك النظرة إلى الفقه، تقوقع في دائرة الفردية، واخذ الفقيه يفكك بين الموضوعات ويفتي بمعزل عن مقاصد الشريعة وغاياتها، ففقدت الأحكام بالتدريج مداليلها الاجتماعية، بعد أن اعتبرت الفرد وحدة مستقلة لا تربطه أي علاقات أو وشائج اجتماعية. بل تطور الحال إلى حد عجز معه الفرد أن يحدد موقفه من بعض القضايا الحياتية المهمة في ضوء الشريعة، لأن الفقيه لم يتصد للفتوى في تلك المجالات" (17) وهنا يبرز لنا ذلك النموذج الرباني الامام الماوردي الذي عرف بمعرفته الشديدة كفقيه بمدينة البصرة المعروفة لتعدديتها الثقافية وتواجد مختلف الثقافات بها حيث كان الفقيه الوحيد تقريبًا من يحسن وفي ضوء الشريعة ايجاد الفتوى الملائمة لتلك القضايا العويصة الشائكة.
ولذلك فإن مسؤولية المثقف الإسلامي اليوم كبيرة تجاه المنظومة الفكرية الغربية التي تروج لنوازع العداء ونشر قيم التطرف من مثل قول برنارد لويس: "إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية الإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعات خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا" (18)
أمام هذا الخطاب الشديد العدائية فإنه يتعين على المثقف العربي والإسلامي العمل من أجل تغيير تلك الصورة النمطية لنا تجاه الآخر الغربي وإزاحة الغشاء الذي يعمي بصيرتنا عن انماط الاستعمار الجديد الساعي إلى نشر الفوضى بأوطاننا وجعلها معادلا موضوعيا لكل ما يمت للهوية الإسلامية بصلة .
فالخطابات الثقافية الغربية التي راجت أثناء وبعد ثورات الربيع العربي تكشف عن تلك الرسائل التي تمرر من خلالها تلك النظرة الفوقية المشبعة بالمركزية الغربية Central Western التي رسمها الاستشراق التقليدي، ويعمل الاستشراق الجديد على ترسيخها حاليا، لترتسم في أذهاننا بأن خلاصنا مرتبط ببرنارد ليفي ومن قبله لورنس العرب... وغيرهم، وكأن مجتمعاتنا العربية لا تتعلم من التاريخ، فإذا بنتائج ذلك انتشار رهيب لخطابات التكفير وشيوع الخراب والدمار بالكثير من هذه الدول، ولعلّ هذا ما جر المفكر الفلسطيني الأمريكي إلى القول في كتابه "تمثيلات المثقف": "من المهام المنوطة بالمثقف أو المفكر أن يحاول تحطيم قوالب الأنماط الثابتة والتعميمات الاختزالية التي تفرض قيودا شديدة على الفكر الإنساني وعلى التواصل ما بين البشر" (19) .
وبعودة قليلة عبر الزمن إلى الوراء بالضبط إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ذاك الحادث الذي أحدث بلبلة كبيرة بالعالم وغير مجريات وموازين كثيرة بالعالم وزادت من حدة الصراع بين الإسلام والغرب فانتشرت الإسلاموفوبيا إلا أنها علمتنا ان التعايش أمر ضروري ومطلب ملح لدى كافة الأديان وفي هذا يقول ماجد الغرباوي "نبوءة هنتنغتون فهي وإن قامت أساسا على رؤية لتاريخية الصراع بين الحضارات، إلا أنها انتهت بالعودة إلى الدرس الذي ينبغي أن نتعلمه من التاريخ، لابد من تعايش بين الحضارات، وفهم أعمق للفروض الدينية والفلسفية لكل منها، ودعوة لتحديد العناصر المشتركة بين الحضارات، تمهيدا للتعايش والتواصل الذي لا بديل له. إنه لدرس بليغ أن تنتهي أعتى النظريات التي تؤصل للصدام إلى التأصيل للتعايش وتحقيق القدر الأكبر من الوئام" (20).
ولذلك لابد على المثقف الإسلامي الوعي نشر اهمية منح فرص التعايش بين الأديان وتبني روح التسامح لدى المجتمعات المختلفة مهما وصلت حدة تلك الاختلافات فالتسامح tolerance يعني الاستعداد الذاتي لاتخاذ الموقف المتسامح دون أيه ضغوطات أو اضطرار، لا يمكن اعتبار التسامح فضيلة إلا عندما يمكن للشخص ألا يكون متسامحاً. فهو قريب من مفهوم "العفو". والقول المعروف "العفو عند المقدرة من شيم الكرام" يشير إلى المقدرة على العفو، وليس في مقدرتنا أن نتحدث عن موقف متسامح في تراثنا الإسلامي في حال شخص يضطر، وهو مضطهد وفي موقف ضعيف، أن يتحمل الآخرين، وهذا الشخص الذي يتحمل الظلم فإنه، في حال الضرورة ووفقاً للعرف الاجتماعي، له الحق في المعارضة والحق في الدفاع عن نفسه في وجه الاضطهاد والتمييز العنصري.

خاتمة:
من خلال ما طرحناه آنفًا في ورقتنا البحثية هذه من إشكاليات وتساؤلات حول أحد أهم اشكاليات الفكر الاسلامي المعاصر التي تشتغل على خطابات قبول الآخر في تراثنا الإسلامي والتي عمل المفكر ماجد الغرباوي على ايجاد السبل الكفيلة بحلها، وسعيًا منا لإيجاد الحلول المناسبة للوقوف في وجه هذا التسونامي الاستعماري الفكري الجديد إن جاز التعبير الجارف للهويات الدينية والثقافات المتنوعة بوطننا العربي الإسلامي تحت أغطية كثيرة تختزل معادلة الصراع الحضاري العالمي، نطرح في خاتمة مقاربتنا هذه بعض الأفكار والتوصيات التي نرجو أن تسهم في ترميم التصدعات الجاثمة على الخارطة الهوياتية للتنوع الطائفي والديني والثقافي بوطننا العربي، لتحقيق سبل انعتاقنا من مد المركزية الغربية المحرضة على العنف والإرهاب والتكفير وويلاته، وإرساءً لدعائم سبل تحقيق التعايش الثقافي والديني وفق المنهج الإسلامي الصحيح الذي بينه محمد عمارة، نطرحها في النقاط التالية:
1- ارساء قواعد التعايش السلمي وتعلم سُبل التّعايش بين الثقافات والأديان المختلفة لن يكون برفع الشعارات الزائفة، وإنما يتحقق ذلك بتضافر جهود جميع الأطراف داخل العالم الإسلامي باستخدام لغة العصر وأدواته في نشر الفكر الاسلامي الوسطي، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، ونشر ما يحث عليه الدين الإسلامي من قيم التسامح والتعايش بين المذاهب، خاصّة في المناهج التعليمية تعليمًا وتربية لهم على اتقان فن حقوق الانسان، تحت اشراف مختصّين في المجال وليس مجرد درس يتم إلقاؤه وفقط لتنتهي المهمة عند ذلك، فالأمر أكثر من ذلك بكثير.
2- من الضّروري بعث سبل تجديد الثّقافة العربية خاصّة الخطاب الديني، وتفعيل دوره في الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية بجميع طوائفها بعيدًا عن جدل التعصب للعرق أو المذهب...الخ، وقوفًا في وجه الخطابات الفلسفية الجديدة المغلفة بقيم الاستشراق ذات الطابع الاستعماري الجديد، وهذا كله تأسيسًا لنوع جديد من الاستشراف المستقبلي لأمة اسلامية جديدة ولدت من رحم الانبعاث الحضاري الإسلامي القويم، بعيدًا عن الصراع الديني المدعم من أطراف خارجية تكن الحقد والكره لكل ما يمت للإسلام بصلة.
3- لقد أنتجت فلسفة ما بعد الحداثة انسانًا غربيًا ثاناتوسيا، مخربًا للعالم ناسفًا للقيم حقوق الانسان وشتى أنواع التعايش الثقافي و الديني السلمي القائم على مبدأ قبول الثقافات والأديان ضاربًا بكل ذلك عرض الحائط، ومرسيًا بدل ذلك مفاهيم جديدة من قبل: الهدم، التشظي، المركزية الغربية، الإسلاموفوبيا...إلخ، ساعية إلى نشر هذه المفاهيم وترسيخها في الأذهان، تحت غطاء وأقنعة مختلفة تختزل معادلة صراع الأديان بمختلف أبعادها.
4- تعتبر أحداث 11- 09- 2001 بمثابة النبوءة التي أكدت نظرية صراع الحضارات الهنتنغتونية والتي اتخذت منها الولايات المتحدة الأمريكية مطية لشحذ الهمم وتفعيل الحراك العالمي ضد الهوية الثقافية الاسلامية، وهو ما جعلها تقرع طبول الحرب معلنة المعركة ضد محور الشر كما قال جورج بوش آنذاك، لتعلن بعدها عودة ما سمي بالحروب الصليبية من جديد ونتائج ذلك ماثلة أمامنا في كثير من الدول لعل على رأسها العراق وسوريا حاليًا من انفراط كبير لمد الصراعات الأيديولوجية المفتتة لكيان الدول والناشرة للفتن الطائفية، التي أصبحت تفتك يومًا بعد يوم بقيم التعددية الثقافية للأمة العربية والإسلامية .
5- فرق كبير بين نظرة الفلسفة الغربية الوضعية في نظرتها لقضية التعددية الثّقافية ووجهة نظر الهدي النبوي الذي بينه محمد عمارة في التأسيس لهذا الحق المشروع فالقوى الغربية انطلقت من اكراهات حتمتها عليها الشعوب ما اضطرها لوضع ميثاق عالمي لحقوق الانسان منها حق التعدد الثقافي و الديني، فضلا عن السياسات الاستعمارية في الاتخاذ من هذه الفلسفة مطية للسيطرة على الشعوب، اما الهدي النبوي فقد كان امرا تلقائيا تلبية لنداء الفطرة فضلا عن تنفيد أمر رباني صالح للتطبيق في كل زمان ومكان على اختلاف الثقافات وتنوع الأديان.
6- العنصرية والتفرقة بين الأديان والشعوب والأعراق والثّقافات في الدول الغربية نابع من فلسفة عنصرية متأصلة في الفكر الغربي بداية بأفلاطون وصولا لفوكوياما و هنتنغتون وغيرهم الكثير ترى أن الانسان الغربي أسمى وأعرق ثقافة وأرفع دينا وهو ما جعل العديد من الفلاسفة الغربيين المنصفين أمثال جان جاك روسو وايريك فروم وروجيه غارودي ونعوم تشومسكي... يوجهون نقدهم اللاذع لما وصلت له الحضارة الغربية من عنصرية تجاه الدين الاسلامي فهذا الأخير - نعوم تشومسكي- يعتبر أبرز المفكرين الذين يقفون في وجه السياسات الغربية التي تتخذ من فزاعة حفظ حقوق الأقليات الدينية والثقافية لتقسيم الشرق الأوسط وتفتيته مقيمة شرق أوسط جديد يخدم مصالها وفقط.
7- لابد من تضافر جهود جميع الدول العربية الإسلامية سواء على مستوى الحكومات أو على مستوى الشعوب، وتُحدث فيما بينها تعاون وتنسيقات عالية المستوى، وتكثيف الجهود أكثر على مستوى النخب الثّقافية بما أنها فئة تنويرية بإقامة مؤتمرات وندوات للتباحث في سبل بعث الهدي النبوي في نظرته لفكرة التعددية الدينية والثقافية، إلى جانب العمل على دعم منظمات المجتمع المدني والعمل على تغلغلها داخل النسيج الاجتماعي للمجتمعات العربية والإسلامية حتى تنتشر التوعية أكثر بمخاطر الفتن الطائفية وأثر ذلك على الهوية الإسلامية ومدى تماسك المجتمع تجنبا للانزلاقات الوطنية نحو العنف والدموية.
8- انتشار دواعي حوار الأديان وتمازج الثّقافات وتلاقح الحضارات والمعرفة الكونية...إلخ، كلها تقريبًا صنعت لأغراض سياسية بحتة ساعية إلى إحكام السيطرة على العالم، ونشرًا للنموذج الثّقافي الأمريكي، بدعوى أنها هي الأجدر بقيادة العالم كما أعلن عن ذلك صامويل هنتنغتون على اعتبار أنها ثقافة مركز القوة في العالم، فهي مجرد شعارات رنانة زائفة مزركشة بصورة بهية من الخارج، في حين هي انتهازية استعمارية من الداخل.

بقلم الاستاذ الباحث: عباس أعومري - الجزائر- باحث أكاديمي
.......................
* ورقة مشاركة في المؤتمر العلمي التاسع للنهوض بالبحث العلمي خطوة أساسية في بناء العراق الموحد. تحت شعار: "النهوض بالبحث العلمي خطوة أساسية في بناء العراق الموحد"... 2-3 شعبان 1439 هـ 17-18 نيسان 2018م، كلية المعارف الجامعة، كليةٌ أهليةٌ عراقيةٌ، بعنوان: (التّسامح وفرص التّعايش بين الاديان والثّقافات بين الواقع والمأمول.. دراسة نقدية في فكر ماجد الغرباوي.)
...............................
الهوامش
1 - ماجد الغرباوي :اشكاليات التجديد - سلسلة قضايا إسلامية معاصرة-، دار الهادي للنشر والتوزيع، ط1، 1421ه، 2001م، بيروت، لبنان، ص 37.
2 - مالك بن نبي: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، دار الفكر، سوريا، ط9، ص4 .
3 - المرجع نفسه:ص42.
4 - http://www.almothaqaf.com/c/c1d-2/925135
5 - ماجد الغرباوي: الضد النوعي للاستبداد "، اصدار مؤسسة المثقف العربي، نشر العارف للمطبوعات، ط1، 2010م، ص 74- 75.
6 - سورة الحجرات: الآية 13.
7 - إليكس ميكشيللي : الهوية، ترجمة علي وطفة، دار الوسيم للخدمات الطباعية، دمشق، ط1، 1993. ص 15.
8 - التسامح ومنابع اللاتسامح - فرص التعايش بين الأديان والثقافات-، الناشر الحضارية للطباعة و النشر، ط1، بغداد، العراق، 1429ه- 2008م، ص60.
9 - المصدر نفسه.
10- المصدر نفسه.
11- البخاري (3383)،كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى:{لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين}، ومسلم (2378)، كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف.
12- "فتح الباري" (6/529).
13- "شرح النووي لصحيح مسلم" (15/135).
14 - ماجد الغرباوي: اشكاليات التجديد، مصدر سابق. ص67- 68.
15 - ماجد الغرباوي :اشكاليات التجديد، مصدر سابق، ص 67.
16 - ماجد الغرباوي: الضد النوعي للاستبداد "، مصدر سابق، ص 152- 153.
17 - محمد عمارة : http://klmty.net/472766-%D8%AF-
18 - ماجد الغرباوي : اشكاليات التجديد، مصدر سابق. ص 110.
19- عبد الحكيم منصور: حكومة العالم الخفية - الماسونية والثّورات العربية بين الحقيقة والافتراء- دار الكتاب العربي، القاهرة، 2012، ص242.
20 - نجيب الحصادي: جدلية الأنا والآخر، الدار الدولية للنشر والتوزيع، ط1، القاهرة، 1996. ص 56- 57.
21 - ماجد الغرباوي: التسامح ومنابع اللاتسامح - فرص التعايش بين الأديان والثقافات-، مصدر سابق ص9.

المصادر
1- القران الكريم
2- عبد الحكيم منصور / حكومة العالم الخفية / الماسونية والثورات العربية بين الحقيقة والافتراء/ القاهرة 2012
3- ماجد الغرباوي / اشكالية التجديد / دار الهدى للنشر / ط1 / 2001 : بيروت
4- ماجد الغرباوي / الضد النوعي للاستبداد / مؤسسة المثقف العربي / دار المعارف للمطبوعات /ط1 2010
5- مالك بن نبي /مشكلة الافكار في العالم الاسلامي / دار الفكر / سوريا /ط9
6- ماجد الغرباوي / منابع التسامح واللا تسامح / فرص التعايش بين الاديان والثقافات / الدار الحضارية للطباعة / ط1 بغداد 2018
7- نجيب الحصادي / جدلية الانا والاخر / الدار الدولية للنشر والتوزيع /ط1 : القاهرة 1996
8- اليكس ميشكيللي / الهوية / ترجمة علي وصفة / دار الوسيم / دمشق ط1 / دت / 1993

قائمة المدونات الإلكترونية