الجمعة، 30 يونيو 2017

أن تكونَ عربيّا في بلدٍ عربي


أن تعيشَ في بلدٍ عربي فأنتَ مُجبرٌ على أن تتجرّع كأسَ المرارة صباحَ مساء، تصاحبُ الضغط الدموي، تتعايشُ مع السكري، تجالسُ الأعصابَ وتَعقدُ معاهدةَ استسلامٍ مع أمراض العصر، أن تعيشَ في بلدٍ عربيٍّ يعني أنك عضوٌ في المركز العالمي للغيبة والنّميمة، وصحفيٌّ في وكالات أنباء المدينة، ومنخرطٌ في نادي مراقبة ما هبَّ ودبَّ في الحي، بمجرّد أن تخرجَ من باب بيتك، وبعد أن تستقبلكَ كامرات المراقبة البشرية يتهافت عليك السائلون والمتسولون طالبين يد العون، وقد يلتصقُ بيدك أطفالٌ متشردون لا يفارقونها قبل أن تجود عليهم ببعض الدريهمات، رائحة الأزبال كريهة، وفوضى عارمة تطغى على كل شيء، تصبُّ جامَّ غضبكَ على طاكسي يمرُّ من أمامكَ تلوّح له دون أن يتوقف، أو على سيارةٍ لا تخفّف من سُرعتها وأنتَ تقطعُ ممرَّ الراجلين، تجدُ نفسكَ تتصبّبُ عرقا مُتشبّثا بمقود سيارتك خوفاً من أن تصطَدمَ بمتهوّرٍ يخرجُ في وجهكَ فجأةً من هنا أوهناك، ثم لا تلبثُ أن تركنَها في أي مكان تقابله حتى تتخلّصَ من عذابِ السياقة وجحيمِ المُرور.
أن تعيش في بلد عربي فأنتَ مُجبرٌ على أن تخوضَ في صغرك معاركَ طاحنةٍ بمجرّد خُروجكَ من المدرسة، ولا تصلُ البيتَ إلا وأزرارُ وزرتكَ ذهبتْ كلُّها أدراجَ العِراك، وجهُكَ مخدوشٌ وكأن القططَ الجائعةَ استفردتْ به، وظهرك يئنُّ من ثقل محفظةٍ مليئةٍ بالجهل والفراغ.
أن تجلسَ في مقهى بلدٍ عربي فأنت وسط جحافلَ من البشر منهم من يلعبُ النّرد طول النهار ولا يستهلكُ سوى نصف كأسٍ من القهوة حتى يضيق به صاحب المحل ذرعا، ومنهم من يُحلّل سياساتِ العالم، ومنهم من لا يعجبهُ شيءٌ وينتقدُ كل شيء، مجبرٌ على أن تخوضَ نقاشاتٍ ساخنة بعد كل نشرةِ أخبار، فتجدُ نفسكَ أمامَ عالمٍ مُصغّر وسط هالة من الدخان، الكلُّ يدلي بدَلوه، يُدافعُ عن أفكاره وعن توجهاته، عن رئيسه المفضل، زعيمه المفدى، هكذا بلا سببٍ وجيه، كل ذلك بُغيةَ استهلاك يومٍ طويل لا ينقضي!
أن تتجوّل في شارعِ بلدٍ عربي فأنتَ محطَّ أنظارِ الذاهب والعائد، الكلُّ يُدقّقُ فيكَ من أخمصِ قدمَيْك إلى جَبهة رأسك، وكأنّك تمرُّ على آلةِ سكانير بشرية، لا تكادُ تخرجُ منها حتى تجد نفسكَ داخلاً من جديد إلى آلةٍ أكثر دقّة وتفصيلا.
أن تدرسَ في بلدٍ عربي فأنت تقضي سنواتٍ طويلة من عمركَ بين الثانوية والجامعةِ، تسهر الليالي في الدراسة والإعدادِ للإمتحانات والبحوثِ والعروضِ حتى تكاد تجن، وحين تحصلُ أخيرا على الشهادة بعد طولِ عناء، تجد نفسكَ مجبرا بعدما ابيضّ شعر رأسك على أخذ "كورساتٍ" خاصة باهظة الثمن من أجل الاندماج في سوق العمل!
أن تتحزّبَ في بلدٍ عربي أو تدخلَ غمارَ السياسة فيه، فأنتَ مجبرٌ على أن تضعَ قِيَمكَ ومَبادِئَكَ وأخلاقَكَ جانباً، ومصالحكَ الشخصيةِ والعائليةِ صَوبَ عَيْنَيك، ومصالحَ وأولوياتِ المجتمع وراءَ ظهرك.
أن تمارسَ الرياضةَ في بلدٍ عربي فما عليك إلا أن تَقنعَ برياضة الفقراء، فتختار لنفسك طريقاً طويلة تعدو على رصيفها إن وُجدَ ما شاء اللهُ لك أن تَعدو وبأقل التكاليف، وأنتَ منهمكٌ في عَدوكَ والعرقُ يتصبّبُ منكَ ظانا أنكَ في قمّةِ العطاءِ الرياضي، يطير خيالكَ بعيدا شاردا في ملاعب السباحة والفروسية وكرةِ المضرب، تلك الرياضات التي كنت تتمنى في طفولتك لو أُتيحت لك الفرصة لتمارس واحدة  منها، لكن ظروف المعيشة الصعبة حالت دون ذلك، وسرعان ما تعود إلى واقعك حين تتعثّر في حفرةٍ كبيرة على الطريق فتهوي على الأرض، ربّما على رأسك، ثم بعد ذلك  تُودّعُ  الرياضة إلى الأبد.
أن تعيشَ في بلدٍ عربي فأنتَ مُجبرٌ أن تتعايشَ مع هواجسِ المستقبل والخوفِ من الفقر والحاجة والبطالة، همُّكَ الوحيدُ وشُغلك الشاغلُ مُذْ مجيئكَ إلى الدنيا أن تجدَ عملاً يصونُ كرامتَكَ ويُوفّرُ لك لقمةَ العيش، أما إنسانيتكَ فهي مُلغاةٌ إلى أجل غير مسمى، ومن أجل ذلك، ما عليكَ إلا أن تعتادَ على ملْءِ محفظتكَ بنُسخٍ عديدةٍ من سيرتك الذاتية وتبدأ عملية التّجوال تحت أشعة الشمس الحارقة، من شركةٍ إلى أخرى، ومن معملٍ إلى آخر، ومن دكّانٍ إلى دكّان، ومن محلٍ إلى محل، والمفارقةُ الغريبةُ أن الجميع يشترطُ عليك التجربة المُسبقة، رغم أنّكَ راكمتَ تجاربَ طويلة في البحث دون أن تظفرَ بعمل، وأنت تستمعُ إلى الردّ المتوقّع تبتسمُ ابتسامة عريضة تعود بك إلى نقطةِ الصفر، ثم تنصرفُ إلى حال سبيلكَ فتمُرُّ على مقهى وقد جلسَ فيه شلّةٌ من سُيّاح أجانب شباباً وشيباً فرحين مُنبهرين بالمكان، منخرطين في نقاشات هادئة حول مُستقبلهم وأحلامهم ضاحكين مستبشرين، كلٌّ منهم يحملُ في يدهِ خريطة المدينة وكتابا ضخما يوشكُ على إتمام قراءته، تُحسُّ لحظتها بغُربةٍ مريرة، وتتأكدُ مرة أخرى بأن قدومَكَ إلى هذه الأرض كان مجرّد صُدفة.
أن تعيش في بلدٍ عربي يعني أنك في الحقيقة لا تعيشُ فيه، بالُكَ وتفكيرُكَ وحلمُكَ في بلدٍ آخر تماما، بلدٌ أسَرَكَ بنظامه وتنظيمه، بحقوق أفراده وطريقة عيشهم وكلامهم، بحبّهم لبعض، ومؤازرتهم لبعض، بحُسنِ توزيعهم واستنشاقهم للهواء النقي، بلدٌ تأثّرتَ به وأنتَ تسمعُ عن قيمة الإنسان فيه، عن صَوْن كرامته وعزّة نفسه، عن تثمينِ وُجودهِ فيه وانتمائهِ إليه، بلدٌ جذبكَ بمستوى تعليمه، وتعدّدِ مناصبِ الشغل فيه، وكفاية أُجوره وتنوّعِ آفاقه، لكن سرعان ما تستفيقُ من حُلمك الوردي عندما تنهالُ عليك هراوات شرطة مكافحة الشغب وأنتَ معتصم أمام البرلمان تطالبُ بالشغل وقد بلغتَ من الكبر عُتيّا.

أن تعيش في بلدٍ عربي فأنتَ بالفعل في كوكبٍ آخر، عاصمتُه "الإنتظار"، وشعارُه "لن تفهمَ شيئا"، أمامكَ سنواتٌ ضوئيةٌ لتلحقَ بركب الديمقراطية، وتخرُجَ من قوقعةِ البلدان النامية، وعصورٌ لتصلَ إلى حقوقِ المجتمعات الأوروبية، وأزمانٌ لتحسَّ بأنكَ مُجرّد إنسان.

الخميس، 22 يونيو 2017

عالمٌ مُنافق


وأنتَ تتابعُ الأحداثَ المتسارعةَ التي تُميز عالمَ اليوم، تنتابكَ حالةٌ من الجنونِ والغثيانِ لهولِ المُتناقضات فيها، فتتمنّى لَوْ لَم يتم اكتشافُ التلفازِ في يومٍ من الأيام، أو أنَّ اختراعَ الراديو  لمْ يرَ النور قطّ، بلْ وتُحنُّ لأيّامِ الزمن الجميلِ حينَ كان الاتصالُ بالشبكة العنكبوتية مقطوعاً، وعلى إثْرهِ كان حبلُ الود والإنسانية موصولاً بين الناس، بلْ وأصبحتْ أيادينا ترتعدُ وهي تتأهّبُ لالتقاط الريمونتكنترول، أو لضبط تردّد موجةِ إذاعةٍ ما، رُبما لأنها تعلمُ أنّ الضغط الدّموي على موعدٍ مع صعود صاروخي لا محالة مع أول محاولةٍ للبحث في القنوات الفضائية عن شيءٍ يستحقُّ المشاهدة، وسرعانَ ما تَصفعكَ أنباءٌ بالخط العريضِ أقلُّ ما يُقال عنها أنها استفزازيةٌ إلى أبعدِ مَدى ...الرئيسُ الفرنسيُّ ماكرون يُهدّد بالتدخلِ في سوريا واستعمالِ القوةِ ضدَّ نِظامِ الأسدِ في حال اسْتخدمَ هذا الأخير السلاحَ الكيماوي ! .. صباحُ الخير يا ماكرون، ربما لم تستفقْ بعدُ من صدمةِ كُرسيِّ الرئاسة، هل تعلمُ أنَّ الكيماوي حصدَ المئاتِ من الأبرياءِ السوريين مراتٍ عِدّة، والموتُ لا ينتظر قدومَكم المبارك إلى سوريا حتى ينشرَ جناحيهِ على كل من هبّ ودبّ هناك، فالكيماوي قام بالواجب وأكثر حين كُنتَ تقضي ليالي السمر مع عَشيقتكَ بريجيت على ضفة نهرِ السين، وتتجولُ برُفقتها في شوارعِ باريس المُضيئة، وسرعانَ ما يقفزُ مُؤشّرُ الضغطِ الدمويّ إلى 15 مُعكرا مِزاجك، فتحاولُ الانتقالَ إلى قناةٍ أخرى لعلّكَ تجدُ ضالّتك، غير أن الصدمةَ هي كل ما ينتظركَ مع أولِ خبرٍ ينفجرُ في وجهكَ كالصاعقة، الولاياتُ المتحدةُ الأمريكية تستعدُّ لتسليمِ إيران أول دُفعةٍ من طائراتِ البوينغ العملاقة!!  ففي الوقتِ الذي تُحذّرُ فيه أمريكا إيران من مَغبّةِ تطوير السلاح النووي وتعزيز قدراتها العسكرية والملاحية، ووقّعتْ مؤخرا صفقاتٍ بالملايير من أجل ضمان استقرارِ المنطقةِ من أخطارها، ها هي تبيعُ لطهران وبكل عفوية وبراءة سرباً من طائرات البوينغ المتقدمة... فيرتفعُ مستوى الضغط الدموي إلى 16 وتزدادُ سرعة ضربات القلب، وتجدُ نفسكَ باحثاً عن زر الخلاصِ بكل إصرارٍ لتُنقذ نفسك من صُداعٍ مُدوي يكادُ يُكسرُ رأسك، ولا داعي للتمادي في البحث فلنْ تجدَ غير تناقضاتٍ صارخةٍ قد تُؤدي بكَ إلى السّكتةِ الدماغية لا سمحَ الله، بعد أن يرتفعَ مؤشرُ الضغط إلى أعلى مُستوياته.
خليطٌ من النفاق لا أول له ولا آخر، فقَدَ لباسَ العيبِ فَغدا أمراً عادياً تُحاكُ خيوطهُ على مرأى ومسمعٍ من الجميع، نفاقٌ أصبحَ من الصعب جدا فصلُ مُكوناته ومُعالجته بعد أن صارَ كتلةً واحدةً متراصةً تحاولُ فرضَ صورةِ المصداقية والنيّة الحسنة تُجاه العالم شاءَ من شاء وأبى من أبى، يُحاولون إِرغامَ المواطنِ المستسلمِ الفاقدِ للأمل والمقبور في مشاكله وتعاسته على فهمِ متغيراتٍ وسيناريوهاتٍ دوليةٍ معقدة هو في غنى عنها، لا تستوعبُها سوى أذهانُهم ولا تتجسّدُ سوى في مُخيلاتهم هُم دون سِواهم، ولا ضيْرَ من تغيير الخطاب وانقلابٍ بزاويةِ 360 درجة إذا كانت المصلحةُ في ذلك قائمةٌ ومضمونة، وقد يخاطبون العالم مستميتينَ في الدفاع عن موقفٍ أو توجهٍ ثم يصبحون في الغدِ على وجهٍ آخر تماما بدون حياءٍ ولا حشمة، مستفيدين من أبواق إعلامية تُكِنُّ فروضَ الطاعة والانصياع لإملاءاتهم غير آبهة بمعايير المهنية  والمسؤولية.
وحين يصلُ بك الحالُ أخيرا لدرجةِ الإسْتسلام، وترتخي عضلاتُ جسمكَ من تفاهة الكلام، لا ترى أمامكَ سوى عقاقيرا ضدَّ صُداع الرأس النصفي وكوبِ ماء، تتناول حبّةً على وجه السرعة آملا أن يزورَ جَفنَك النّومُ لعلّكَ تُحلقُ بأحْلامكَ في عالمٍ آخر لا يعترفُ بالنّفاق.
في خِضّم حياةِ المعاناةِ المنتشرةِ على وجهِ البسيطة، تَجدُ الخطابات السياسية الدولية لا تَمُتُّ بصلة للواقعِ المُعاش، فكما يُقال منْ يدُهُ في الماء البارد لا يُحس بما يُحس به من تتقلّبُ يدُه في لهيب النيران، هُم منشغلون بالحياة والمناخ وحرارة كوكب الأرض، يُنظمون بشأنه المؤتمرات الراقية تستضيفها دول العالم الثالث، فيرقصونَ و يمرحون ويأكلونَ في الخفاء حتى التُّخمة، ولا يكترثونَ للحرارةِ الحقيقية التي تُخلفُها فوّاهاتُ المدافع والقنابل في الحروب المشتعلةِ بسببهم.
عالمٌ منافقٌ صنعهُ مجموعةٌ من المنافقين، يقولون ما لا يفعلون ويُظهرون عَكسَ ما تُبطنُ قلوبُهم ونواياهُم، لا يُحبّون الخير للبشرية ولا يسعون لتحقيقه كما يزعمون، إذ لا تُحرّكُ فيهم شعرةً واحدةً مجزرةٌ ارتُكبتْ في سوريا، أو مذبحةٌ على أرض فلسطين، أو إبادةٌ جماعية في بورما، أو طمسٌ للتاريخ والجغرافيا في العراق، أو انتفاضةُ حقٍّ وحرية في مكان ما من العالم، والغريبُ في الأمر أن مَنابرَنا الإعلامية ومواقفَنا الرسمية تُجاريهم في نِفاقهم هذا ولا توقفهم عند حدّهم حتى يعلموا على الأقل أننا لسْنا مُغفّلين بالقَدر الذي يَظنون. ألأنّنا لا نملكُ الجرأة على ذلك؟ مُتحكَّمٌ فينا عن بُعد؟ أم لأن وضعَنا أضعف ما يكون حتى نلعبَ دورَ الشجاع المغوارِ والمُنتفضِ المقدامِ فنتوارى خائفينَ أذلاّءَ خشيةَ أن نُسْحقَ من خريطة العالم كبعوضة، و منهم من يرى أن المكانة التي يستحقها كل شعبٍ تنبُعُ أولا من محيطه الذي يعيشُ فيه، أيْ من حاكميه، ثم تنعكسُ إيجاباً على العالم الآخر فارضةً الاحترامَ والتقدير، غيرَ أنَّ ذلك لا ينطبقُ علينا تماماً ورُبّما هذا ما يزيدُ من تحقيرِ العالم لنَا.
ووسطَ هذا المناخ المُتقلّب نفاقاً ومراوغة، صارَ من الصّعب جدّا أن تمنحَ ثقتَك للمنابر الإعلامية المنتشرة بكثرة على الساحة، اللهم لبعض الذين كانوا سبّاقين إلى فضح وتعرية الواقع الحقيقي للمجتمعات العربية كما لم نكن نعرفه من قبل، لكنها للأسف حوربتْ بشراسة وتحارب اليوم بضراوة ولا تلقى من أولئك الذين لا يحبون أن تُذكر سيرتهم السيئة وتاريخهم المظلم القُبولَ والترحاب، وأمام هذا المزيج المُحيّر من نفاقٍ عالمي واضحٍ وتطبيلٍ إعلاميٍ فاضح، ما عليكَ إلا أن تتعاملَ مع الأحداثِ بمنطقٍ واحد: لا أرى.. لا أفهمْ.. ولا أريدُ أن أفهمْ !
المقال على مدونات الجزيرة

الأربعاء، 14 يونيو 2017

ارْحَمُوا القَلَم


من المعروف أن القلم الكائن الأكثر خطورة في العالم، والوسيلة القادرة على تغيير وانتقاد ووصف كل شيء في أي زمان ومكان، فلا حدود لحروفه، ولا قوة تقف سدا في وجه طوفانه، في استطاعته أن يُقيم دولا ويُسقط عروشا بجرة واحدة كما يقال.. كان وما يزال، العدو الأول لأصحاب السلطة والنفوذ، والملاذ الآمن لهواة المدح والثناء، خُطّتْ به سِيَرٌ، ووُثّقتْ به عِبرٌ، وحُفظَ به تاريخُ الأولين والآخرين، ومُجّدتْ به حِقبٌ، ونُسفتْ به حضاراتٌ، وصِيغتْ اعترافاتٌ، ودُوّنتْ به علومُ الإنسان وأسراره، فلولاه ما كنا لنظفر منها بشيء أو نغرف منها غرفة علمٍ واحدة، فالقلم وجدان الإنسان وكيانه، ومرآة دواخله وأحاسيسه، وسفير عقله وبريد قلبه، فهو المترجم الحذق الذي يستطيع أن يجسد ما يدور في مخيلة الكاتب وينقله كما هو إلى الواقع ليصبح كتابا مخطوطا في متناول الجميع، فضله علينا لا ينكره عاقل أو سابح في أصناف العلوم ودروبها.
غير أنه في عصرنا هذا يعرف القلم من التحقير والتبخيس ما لا تخطئه العين، فقد تحول إلى أداة تلقى من الانتهاك ما تلقاه، وأصبح لا يرجى من ورائه نقل ما يفيد الإنسان في دينه ودنياه، بقدر ما يروم بعض المنتسبين إلى بلاطه، أو كما يزعمون، النبش في قضايا تافهة، وصراعات بغيضة، طلبا للشهرة وانقيادا وراء أوهامهم الخداعة، فحادوا بسلاحهم هذا من طريق النقاء والبناء إلى طريق الهدم وانتهاك حرمة الأعراض. ناهيك عن كونه صار حبيسافي يد ثلة من أولئك الذين لا يترددون لحظة في توقيع صفقات يتنازلون فيها عن التاريخ والجغرافيا بدم بارد، يوجهون بها مصائر أمم وشعوب، ويلغون بها مستقبل أجيال وأجيال، أو يصادقون على ضربات جوية لا يُعلم مآلها وحجم كوارثها، ولا أعداد ضحاياها وأشلائها، يوقعون بأقلامهم معاهدات تأتي على ما تبقى من كرامة الإنسان العربي المنغمسة أصلا في الحضيض، دون أن يحرك ذلك فيهم شعرة واحدة، أو يوقظ ضميرهم الميت، فكما يُقال القلم بيد السفيه كالخنجر في يد الطفل..
ومع كثرة أقلام السب والشتم والقيل والقال في زماننا، تحولت إلى اتجاه قائم بذاته له محبوه ومؤيدوه، همه الوحيد كسب أكبر عدد من المتعاطفين، فهناك نوع من القراء لا يتردد أبدا في تصديق كل ما يقرأ، هكذا بلا سبب وجيه، وهذه الشريحة مفضلة إلى حد كبير عند فئة من أقلام أقل ما يقال عنها أنها دخيلة على الميدان، فشلت في ضمان مكانها بين أقرانها وتقديم شيء تنتفع منه العامة، فوجدت نفسها وحيدة في محيط لا يناسبها ولا تناسبه وسرعان ما طُردتْ من صنعتها المتطفّلة عليها، ولكي يذيع صيتُها وتُذكر سيرتُها ولا تَذهبَ أدراجَ الرياح، لا تتردد أبدا مع أول فرصة تتاح لها في أن تتحول إلى بوق مأجور شغله الشاغل تَعقّب زلات الآخرين، واللّهث وراء مواقفهم وردود أفعالهم.
فلا تتوانى عن بث الأكاذيب، والإبداع في فنون وأدبيات الشتم والقذف دون تبصر، وكَيْل الاتهامات جزافا لشخصية من الشخصيات، أو جهة من الجهات، بسبب تبنيهم لفكرة أو موقف، أو اختلافٍ في الرأي والمغزى، فترى كتبا ومجلات ومنابر إعلامية رقمية ومنتديات ومواقع للتواصل الاجتماعي حبلى بمثل هذه الأقلام، بل وللأسف أصبح القارئ العربي المغلوب على أمره لا يتردد البتة في خلق صداقة معها وهي الخالية من أي مضمون أو هدف، فعقل الكاتب في قلمه كما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: عقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم.
والاختلاف حق لا يشوبه سوء ولا تحريم، ولا يفسد للود قضية، والانفراد بالرأي ليس من شيم العارفين والمثقفين، بل خلق الله سبحانه وتعالى العقول متفاوتة الإدراك، وفتَحَ أمامَها باب النّقاش المثمر على مصراعيه من دون تعصّب ولا تزمّت، وإذا كان مثقفو هذا الزمان لا يدّخرون جهدا في تنوير العقل العربي وانتشاله من خندق الجهالة والأمية، فهم على قلتهم كنقطة مداد في بحر مديد، يتيهون وسط هذا الغثاء، ولا تكاد تسمع لهم صوتا
رحم الله الكتّاب العظماء الذين أوفوا حقوق أقلامهم فصانوا العهد وامتثلوا الوفاء، وتحرّوا الصدق والأمانة في نقل ما يرونه من باب النقد المثمر البناء، والاختلاف الأرحم بالعباد، والجرح المراد به التطهير والشفاء، عرفوا قيمة الإنسان فألفوا لأجله دررا خالدة، وضحوا بحياتهم في سبيل وهب ما ينفع الأجيال القادمة ويلهب شغفها للعلم والمعرفة، دون السقوط في فخ الحسابات الضيقة، أو الميْل عن نطاق رسالتهم الكونية النبيلة، فاستحقوا بذلك كل التعظيم والاحترام. والفرق شاسع بين ما خطّت أيديهم وما نقرأه اليوم، وبين إحساس يشدّنا إلى ما كتبوا وبينَ شعورٍ يُنفّرنا اليوم مما نقرأ، بين حياة سطروها بمداد الحكمة والفكر المنير، وبين ما يروج اليوم من انحطاط كبير، يضاهي في فداحته ما بلغناه من تراجع اقتصادي وسياسي منقطع النظير.
من هنا أصبح لزاما علينا إن نحن أردنا صقل جيل يعرف قيمة العلم ومكانته، تربية النشء منذ نعومة أظافرهم على تهذيب أذواقهم المعرفية وميولهم العلمية وتلقينهم المهارة المثلى التي بواسطتها يستطيعون تمييز ما يُصنّف ضمن الزاد الحقيقي فيرحبون به أيَّما ترحيب، وما هو سمٌّ فيديرون ظهورهم له ولا يقتربون من نفثه القاتل كلما صادفوه في مسيرتهم المعرفية الطويلة.

المقال على مدونات الجزيرة

متاع الغرور



كنتُ أتجول بين صفحات التواصل الاجتماعي، وإذا بي أقف عند صورة هزَّتْ كَياني، وأحسستُ وأنا أُحَملِقُ إليها بتأثّر بالغٍ وقُشعريرة في جسمي جعلتني أقفُ عندها فترةً من الزّمن لا أملكُ سوى أن أُواصلَ التأمّل فيها شاردَ الذّهن، بل وأعودُ إليها من حينٍ لآخر سواءٌ على هاتفي المحمول أو حاسوبي الخاص، ودعُوني أصفُ لكم الصورة حتى لا أُثير فُضولَكم أكثر. 

الصورةُ بسيطةٌ في تركيبها، لا تُذهبُ العقلَ من فَرْط جَمالِها أو تُسحرُ العيْنَ بمناظِرها، لكنَّ معانيها ودلالاتها تَقتحمُ الحقيقيةَ من أبواب عدة، وتحيلُ الحياةَ إلى عُمقِ أسرارها وأَصْلِ طبيعتها التي طالما ننساها أو بالأحرى نتناساها. رجلٌ طاعنٌ في السن، يبدو أنه تخطى عتبةَ التسعين، إذ أصبحَ من الصّعب عليه أن يُواجه الحياةَ بوُقوفها وجُلوسها فاستسلمَ أخيراً للرُّقود، وكأنَّ عضلات جِسمهِ الهزيل قد أعلنتْ الاعتزالَ ونهايةَ الخدمة، ولم يَعُدْ يقوى على مُتطلّبات الحياة الصعبة. ومع تقدّم عُمره خارتْ قِواه، وأمسى لا يُشير إلى الأشياء من حوله إلا بمُقلة عينيْه الغائرتين بعد أن حالَ بينهُ وبينها خُذلان الصحة ونُكران الزمن.

بالقربِ من عجوزِنا هذا تنتصبُ على الحائطِ الملاصِق لسريره لوحةٌ وقد عُلّقتْ عليها بذلتهُ العسكرية، ما زالتْ تُحافظ على نقاءِها وأناقتِها إلى اليوم، تتوزع فوقَها العديدُ من الأوسمة الذهبية والفضية البرّاقة من كل شكلٍ ولون، شاهدة على أمجادِ ماضٍ حافلٍ بالعطاء، يتطلّعُ إليها بعينينِ ذابلتين مُلأتا حزنا ودمعَا، يمدُّ إليها أطرافَ أصابعه بمشقّة دون أن تفارق رأسُه المخدة، ليُلامسَ ما تبقى من تاريخه الذي طُوِيَ بين دفّتيْ كتابٍ طالهُ النّسيان، وغطّاه الغبار، واختفتْ بين سُطوره أيّامُ الشباب والأحلام، رغم أن قلبَهُ ما زال يحيا بالخَفَقان لكنه خفقانُ قلبٍ مُقبلٍ على الرّحيل، عقودٌ متراكمةٌ من التضحية في ساحات الوغى، قادَ معاركَ طاحنة برباطة جأشٍ وصلابةِ قلبٍ ليس لهما مثيل، كان جبلاً شامخاً لا يعرف التّعبَ ولا الرّضوخ، تنتصبُ له القاماتُ الشاهقة بالتحية والانحناء لشخصِهِ المهيب، واليومَ تساقطتْ جلاميدُهُ صخرةً صخرة إلى أن توارتْ قمّتُه عن الأنظار.
ذهبَ كل شيء، ذهبت المناصبُ والنياشينُ باختلاف درجاتها ورُتبها، ولم يعُدُ أحدٌ يأبه لغياب صاحبنا أو حضوره، وربما اعتبروهُ ميّتا قبلَ الأوان، لم تعدْ هذه الأوسمة الجذابة المعلقة أمامَهُ سوى ذكرى يختزلُهَا الزمنُ في كلمة أو كلمتين وربما لن يذكرها قطّ، انتهتْ مدة صلاحيتها وانزوت جانبا، وأصبحَ صاحبها في عِداد المتوفين العاجزين عن فعلِ أي شيء حتى عن إماطةِ ذُبابة من على وجهه، فكيف يقودُ اليوم جيوشا ويخوضُ معاركا وهي مرصعة على كتفيه كما في الماضي.
هذه الصورة أبلغُ ما تُعبّر به عن تفاهة الحياة التي نعيشها، فهي لا تُساوي مثقالَ حبّة من خردل، وليستْ سوى مسرحية متسارعة المَشاهدِ تُلهينا فترةً من الزّمن، إلى حينِ انتهاءِ فُصولها وإعلان انجلاءِ الستار. 
فنحنُ عابرون والدنيا لن تدوم لنَا، بل سنمضي بهدوءٍ تاركينَ كل شيء خلفنَا، ستبكي علينا العُيون يوماً، وستنسانا العقولُ دوماً، ولن تتذكّرنا سوى القلوبُ الجميلة كذكرى مرّتْ من هنا في يومٍ من الأيام، ما نحن إلا ضيوفا، وما أسماؤُنا وألقابُنا ومناصبُنا إلا حروفاً من هواء، سنمضي.. لابد أن يحين يوم السفر، يومٌ لن نحملَ فيه لا حقائبَ ولا معدات ولا بطائق هويةٍ ولا جوازات، فعالمُنا هذا حقيرٌ يعترفُ بهذه الترّهات، لن تُفتَّشَ حقائبُنا ولا جيوبُنا ولنْ يُودّعَنا الأحبّةُ على أملِ اللقاء، أو نُهاتفَهُم ببُشرى العودةِ ونَعدَهم بكثرة الهدايا والمُفاجآت، بل هو سفرٌ بلا عودة ورَحيلٌ بلا إخبار. "وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ".. صدق الله العظيم.

قطر وتركيا عصيّتان على ما تمكُرون



لقد أصبح جليّا بما لا يدعُ مجالاً للشّك، أن نتائج زيارة ترمب الأخيرة لمنطقة الخليج بدأتْ تطفو على السطح، وسرعانَ ما أخذ كل طرفٍ دورَهُ بإحكام منتظرا إشارةَ الانطلاقة لتطبيق إملاءات البيت الأبيض، لكن ما يُميز هذه الخطوة غير المسبوقة سرعةُ التنفيذ أكثر من دقّته، وبدتْ غير محسوبة العواقب، بل وشابها التضاربُ والتخبّط في الكثير من المواقفِ والتصريحاتِ الرسمية، كاشفةً بذلك عن مؤامرةٍ أُعلنت شرارتُها بمُجرد أن وطأتْ أقدامُ ترمب أرضَ الخليج.
إن الحملةَ الشّرسة التي تتعرضُ لها قطر إعلامياً وسياسياً من لدن الدول الأربعة صاحبة قرار قطع العلاقات، إذا ما قارناه مع الانقلاب العسكري الذي حدث مؤخرا في تركيا وأُريد به إسقاطُ أردوغان للتحكم فيما تبقى من نفوذ العثمانيين وخنقِ أنقرة، إذا ما قارنا الحادثين سنجدُ أن مُدبّرهُما واحد، والأيادي التي أرادتْ إسقاطَ تركيا إبّان الانقلاب العسكري الفاشل هي نَفسُها من تُعدُّ العُدّة لقطر.
فكلنا يعلم أن تركيا اليوم أصبحت من الدول التي يُحسبُ لها ألفُ حساب في المنطقة، وساعدها في ذلك تنامي قُدُراتها العسكرية مع القفزة النوعية التي أحدثها أردوغان في الاقتصاد التركي شأنهُ شأن العراق في أيام هيبته وعُنفوانه، فكان من الضروري جدا أن يُحفرَ لتركيا خلسةً حتى تَسقطَ في نَفقِ الصراعات والفوضى الهدّامة، وبالتالي إخضاعها للسياسات الخارجية، لكنَّ الانقلاب العسكري باءَ بالفشل الذريع كما شاهده العالمُ بأسره في ملحمةٍ بطوليةٍ من إبداع الشعب التركي، فاندثَرتْ بذلك أحلامُ الحالمين.
هناك قوى دولية فاعلة لا تُريد لصوتِ الحقّ أن يَعلو على أصوات الإخضاع والمدافع، تكرهُ أن يتمَّ إزعاجُها وهي ماضيةٌ في تنفيذ مُخطّطاتها واحداً تِلوَ الآخر، تُشبهُ بذلك سرطاناً يُحاولُ تدميرَ أيّ مَصلٍ يَقومُ ضدّه، هذه القوى لا تعدُو أن تكونَ إسرائيل ومن يدور في فَلكِها كأمريكا وغيرها.

لماذا قطر؟

 قطرُ التي تُشكّلُ اليومَ الحُلم العربيَّ الأجمل والغد الأفضل الذي نتوقُ له جميعا، حُلمٌ يُعيدُ للوحدة العربية مَكانها، وبعضا من نسائمِ تاريخِنا المجيد، وهذا لن يتأتّى إلا بدولةٍ متينةٍ اقتصاديا وعسكريا قادرة على حماية نفسها وفرض كلمتها ومواقفها على الساحة الدولية، فرغم صِغَر مِساحتها إلا أنها تتربّع على عرش الترتيب العربي كالشُّعلة النابضة والمَفخرة الحقيقية مقارنةً بباقي الدول العربية التي ينهَشُ أغلبها الفقرُ والاستبداد.
لا نتحدث هنا عن الصين أو ألمانيا كما العادة، وإنما عن دولة عربية خليجية لسان أهلها الضاد، انتماؤها العروبة ودينها الإسلام الحنيف. أمام هذه الأرقام المبهرة، كيف لقطر أن تَظهرَ عليها كل هذه البوادر من التطور والرقي على جميع الأصعدة، فكان لزاما أن تبدأ آلة الهدم والتعطيل في حَبْكِ مُؤامراتها والتخطيط لإضعاف قطر ولشل اقتصادها القوي حتى تظهرَ بمظهر الضعف والحاجة، وذلك لفسح المجال أمام المتحكمين في المنطقة لممارسة ضغوطاتهم الرهيبة للحصول على المزيد من التنازلات.
ومن هنا يتّضحُ السببُ في عدم اتّهام دولٍ فقيرة بدعم الإرهاب رغم أن بعضها يعشّشُ فيها الإرهاب علانيةً فيأكل ويشرب وينام على مرأى ومسمع من العالم دون أن يُحرك ساكنا، ببساطة لأن مثل هذه الدول لا يُرجى من ورائها عائد، ولا تدَّخرُ الملايير في البنوك الأمريكية حتى يتمّ حجزُها، ولا تزخرُ أراضيها سوى بالفحمِ والجير، وبالتالي فإن وضعَها على قوائمِ الإرهاب ومحاصرتها مضيعةٌ للوقت وصفقةٌ خاسرة.
قطر بإعلامها الرائد قطعت أشواطاً طويلةً في تبني الرأي والرأي الآخر، والانحراف عن خاصية القُطبيّة في الإعلام العربي، وقفتْ وساندتْ الأقليات المضطهدة وحقّ الشعوب في الحرية والكرامة، ففَضحتْ وعَرّتْ ممارسات الاحتلال والأنظمة الاستبدادية في التنكيل بشعوبها وكبحِ جماحِ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وضمَّتْ صوتها لكل الأصوات المقهورة فوق الأرض، وهذا كان السبب الرئيسي في منعها من أداء رسالتها النبيلة في الكثير من الدول العربية. 


ما يجب فعله في مثل هذه الظروف؟
 غالباً ما تَلجأُ الدولُ العاجزةُ إلى خيار الحِصار، كما حدثَ مع المملكة المتحدة في القرن التاسع عشر، حيث فَشِل نابليون في هَزمها رَغم محاولاته العديدة إلى أن لَجأَ للحصار الاقتصادي على كل أَوجهِ التجارة مع المملكة المتحدة القوية آنذاك بُغيةَ إضعافها، لذا فالتحلي بالثّبات والرزانة وتحريك عجلة الدبلوماسية في كل مكان من الطبيعي أن يُعطي ثِمارَه، فعندما تتكالبُ عليك أطرافٌ خارجيةٌ فأنتَ أقرب ما تكون إلى حربٍ غير مُعلنة، والذئبُ لا يقصدُ سوى الفريسةَ الشاردةَ لكي ينقضَّ عليها كلُقمة سهلةٍ سائغة.

لذا فمن الضروري على قطر أن تبحث لنفسها عن تحالفاتٍ دوليةٍ وصفقات عسكرية تُقوّي بها شوكتَها وتُرعب مُتربّصيها، يقول يوهان غوته "الجبانُ يهدد إذا شعر بالأمان"، أما إذا شعر بأن خصمَهُ مدعومٌ من قوى دوليةٍ وازنة، وجزء لا يتجزأ من تحالف عتيد، فهو سرعانَ ما يتراجعَ عن غيّه ويُغيّر من نبرةِ صوته وحِدّة خِطاباته.


قطر بِحنكتها السياسية قادرة على تجاوزِ هذه الأزمة بأقل الخسائر، ويبدو أن الخاسرَ الأكبرَ هي الدول التي فَقدتْ حليفاً استراتيجيا لها في المنطقة، وكَشفتْ عن نواياها المُبيّتة، واندفعتْ وراء أوهامٍ خدّاعة دون درايةٍ ولا تبصّر، ظناً منها أنها ستظفرُ برضى دولة العم سام، لكن التاريخ أثبتَ أكثر من مرة أن الثقةَ في مثلِ هذه الوعود أقرب إلى الانتحار.

قائمة المدونات الإلكترونية