الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

عندما يلعب العرب لعبة السياسة


عندما تمعن النظر في السياسة العربية –الخارجية خصوصًا– فكأنك أمام ربان مغمور يقود مركبًا ضخمًا في عرض البحر على غير هدى، لا يدري إلى أين يسير، فيتيه بين الأمواج والعواصف، لا يفكر في شيء سوى في النجاة بجلده من مصير محتوم، وخوفًا على نفسه من أنياب القروش المتربصة، وثقل النفائس والمعدات، يبدأ هذا الربان المجنون برمي كل ما يحمله المركب من ذهب وأموال كانت في ملك الرعية، دون أن يتخلص أولًا من المعدات التي لا طائل من ورائها، هذا هو حال سياسة العرب، يخوضون في قضايا كبيرة، ويتخذون قرارات مصيرية، وهم عاجزون حتى على حل مشكل بحجم بعوضة، وبمجرد أن تتعقد الأمور بعض الشيء، يبدؤون في تقديم التنازلات المرة بطعم العلقم دونما تردد، فتنتهي تخبطاتهم بالفشل والخسران، وأصبحت بالتالي هذه الحلقة المفرغة عادةً نتوارثها عهدًا بعد عهد. أينما حلت سياسة العرب حل الخراب والدمار وتولدت الأهوال والأزمات.
إذا نظرنا إلى السياسة على أنها بلورة قرارات ملزمة تروم إلى رسم أهداف محددة ضمن مخطط محكم مدروس النتائج، يتفاعل مع محيطه ويستجيب له، فإن هذا الطرح لا ينطبق البتة على الواقع العربي، عندما يمارس العرب السياسة فانتظر العجائب، فهم يخربون القائم ويهدمون الواقف ويعيثون في بلاد الله فسادًا ودمارًا، فيجلبون المحتل عن طواعية لأراضيهم بأموالهم ودولاراتهم ثم يتباكون بالشعارات والتنديدات الفارغة، يبيعون أرضهم رخيصةً مقابل ابتسامة، أو وجه حسن، أو وعد كاذب، ثم بعد ذلك يصيحون: مؤامرة مؤامرة.
خربوا العراق بطائراتهم ونفطهم وغازهم، وجيشوا جيوش العالم أجمع لقصفه وضربه ومحوه من خريطة العالم بملايين القنابل، والآن ترتعد أطرافهم كالأطفال الصغار وهم يرون إيران تتغلغل في أحشاء العراق لتحكم قبضتها على كل مفاصله.
تركوا الأسد ينهش في لحم سوريا الجريحة -آخر معاقل كرامتهم- كما ينهش الوحش في فريسته الحية، فقضى على كل مظاهر الحياة فيها وغير معالم الدولة حتى خلناها دولة غريبة عنا، فتحها للعالم كي يجرب فيها أحدث اختراعاته في مجال أسلحة الدمار الشامل، ثم بعد ذلك يتباكون ويصرخون كالنساء حين دخلتها إيران غازيةً من بابها الواسع وهي خاوية على عروشها، فانصهرت فيها إلى الأبد كما ينصهر الحديد في قالبه، لم يجدوا من ملاذ بعد ذلك سوى أن يفروا إلى ماما أمريكا يطلبون الغوث والنجدة، فمنحوها مليارات الدولارات لو وزعت على العرب جميعهم لانقرض الفقر والجهل من بلادهم ولم يبق فيها محتاج واحد، يناشدون أمريكا بأموالهم هذه لتحميهم من بعبع إيران المخيف بعد أن صارت على بعد كيلومترات معدودة من مكة والمدينة، ومن شدة فرحة ترامب من مبلغ الصفقة الخيالي، فر مهرولًا إلى شعبه يبشرهم بالخبر السعيد ويعدهم بوظائف لم يحلموا بها في يوم من الأيام، مطبقًا بالحرف تعهداته السابقة، بالضبط كما يفعل الزعماء الأوفياء فور فوزهم بالانتخابات ليؤسسوا قاعدة شعبية متينة تقف إلى جانبهم إذا خذلهم الجبناء وتنكر لهم الغادرون، كل هذا من خزينة الصفقة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصفقات العربية.
انتظرنا رد ترامب على هذا الجميل وهذا العطاء السخي المنقطع النظير، وإذا به يعلنها مدوية ويرد الصفقة صفعتين سمع دويهما من أرجاء المريخ، القدس عاصمة إسرائيل، زلزلت هذه العبارة العالم العربي بأكمله؛ بل وأعطى أوامره بالبدء الفعلي في بناء السفارة بجزء من أموال الصفقة بطبيعة الحال، فكانت الضربة قاضية هذه المرة، أعادت إلى الأذهان ذكريات النكبة ووعد بلفور وكل حزين وقبيح، منبئةً بقادم أكثر سوداوية وقتامة، وتنازلات هدامة لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى إلى أي حد ستصل بنا وفي أية مزبلة ستلقينا.
وحينما عزموا على لعب لعبة السياسة التي لا يجيدون نتفة منها، توجهوا بعد فوات الأوان إلى اليمن البلد المنكوب الذي لا حول له ولا قوة، فأوسعوه قصفًا وتدميرًا من جهة، وأمريكا توقع معهم صفقات السلاح من جهة أخرى، فغرقوا في مستنقعه إلى حد لا يطاق، وأصبح الحوثيون الذين كانوا بالأمس أهون من جناح بعوضة، قوةً ضاربة في المنطقة تقف في وجههم بالمرصاد، ففتحت شهية حزب الله اللبناني بعد أن وجد الطريق معبدة أمامه لبسط نفوذه وفرض جرأته أكثر من أي وقت مضى، جاعلًا لبنان في خبر كان.
سياسة فاشلة بكل المقاييس، والدليل ما وصلنا إليه اليوم من وضع لا نحسد عليه، فحتى مقدساتنا تنتهك حرماتها وتسلب منا الواحدة تلو الأخرى، وأراضينا تقطع إربًا إربًا ثم توزع على أعدائنا كما توزع قطع الحلوى في الأعياد، وما زلنا مصرين على سياساتنا الخارجية الفاشلة، حاملين شعار النفط مقابل البقاء، والدولار مقابل الاستقرار، لكنها صفقة خاسرة بائدة دفعت شعوبنا مقابلًا لها ثمنًا باهظًا، فغاصت في براثن الجهل والفقر المدقع، بينما أموالنا العربية تصرف على أمريكا وحلفائها لتقود العالم كما يبدو نحو مرافئ السلام والأمن والاستقرار.
المال ليس كل شيء، فخزائن الذهب تنفذ إن لم نحافظ عليها ونحرسها من أعين الطامعين الذين يحومون حولها فيخطفون قطعًا منها في الخفاء مع أول فرصة تتاح لهم، وقد يفعلون ذلك علنًا وأصحاب الحق نيام، ويستمر هذا الخطف شيئًا فشيئًا إلى أن تنفذ الأموال والثروات وتضيع في مهب الريح، لتعود عصور الجمال والخيام من جديد، وصاحب اليوم عدو الغد، والزمن يدور علينا فتدور نوائبه، قال تعالى: «ما عندكم ينفد وما عند الله باق».
ومتى كان بيع المقدسات والتنازل عنها لإرضاء جهة من الجهات سياسةً يقبلها ذو عقل وقلب، فهو خيار لم نرض به حتى عندما كنا ضعفاء بين ثلة من الأقوياء، وقلة بين خلق عظيم، آمنا بحقنا وحررنا القدس وأعدناه إلى حظيرة المسلمين والتاريخ شاهد بذلك، فكيف لا يحز في نفوسهم اليوم أن تتحول القدس مسرى النبي الكريم وأولى القبلتين عاصمةً للكيان الصهيوني الغاصب، قتلة الأنبياء والأطفال، وكيف يرتد لهم طرف وهم يرون مآذن القدس تمنع من رفع الأذان بعد أن ظلت «الله أكبر» لمئات السنين تملأ جنبات المقدس وتعطر سماءه.
وفي نفس اليوم الذي سقطت فيه القدس جريحةً بطعنة غادرة في الظهر، كما يحصل معنا في كل مرة، نشتري لوحة بـ450 مليون دولار تعتبر هي شعار الماسونية عبر العالم، ونحن عاجزون حتى عن صنع رصاصة واحدة ندافع بها عن أنفسنا وحدودنا يوم تتكالب علينا نوائب الدهر وتدور علينا الدوائر والضباع، ولن ينفعنا «المخلص» أبدًا.
كي نلعب لعبة السياسة كما يلعبها الكبار، علينا أن ننطلق من موقع قوة ونفوذ وأرضية صلبة، وإلا سنخسر الرهان كما تعودنا مرارًا وتكرارا، كنا نظن أن السياسة هي من تحدد موازين القوة، والعكس هو الحاصل، القوة هي من ترسم سياسة العالم وتحدد مفترقاته، فروسيا مثلًا بدأت فعليًّا بفتح قنوات الحوار مع المعارضة السورية الخانعة بعد ماذا؟ بعد أن سوت كل شيء بالأرض، وحرقت الأخضر واليابس، فمكنتها قوتها من فرض شروطها كاملة على الطاولة، وبعد أن كان العالم العربي يراهن على تحرك أمريكا لمعاقبة إيران على سياستها العدائية في المنطقة، إذا بها ترفع الحصار عنها في خطوة مفاجئة وتغض الطرف كليًّا عن تصرفاتها، لماذا؟ لأن أمريكا وجدت أمامها خصمًا عنيدًا يجابهها من مركز قوة وليس من نقطة ضعف، حتى وإن كانت إيران لا تملك من الأسلحة النووية ما ترعب به العالم، وأنا شخصيًّا أرجح ذلك، إلا أن سياستها الماكرة نجحت إلى حد كبير في إيهام العالم بقوة لا وجود لها، ووفقت بذلك في حصد مكتسبات مهمة في المنطقة، كل هذا بالسياسة.
وهل تستطيع أمريكا أن توجه ضربةً عسكرية لكوريا الشمالية رغم تحدي بيونغ يانغ لها المتواصل، في حين تجد في قصف عواصم عربية والاعتداء عليها متعةً لا تضاهيها متعة، وانظروا كيف توزع الأراضي العراقية والسورية بين روسيا وأمريكا بدقة بالغة دون أي صدام عسكري، لأن كل واحد منهما يحترم ويقدر قوة الآخر، وهل كانت روسيا عاجزةً عن الرد العسكري ضد أنقرة حينما أسقطت طائرتها فوق الأجواء التركية؟ لا أبدًا، لكنها فضلت النأي بنفسها عن صراع عسكري قد يجر عليها الويلات، خصوصًا وأن تركيا دولة لا يستهان بها في المنطقة.
هكذا للأسف تشكل القوة معيارًا أساسيًّا وعاملًا جوهريًّا لتوازن الرعب بين أقطاب العالم، في حين أن سياسات العرب الخارجية من فرط غرابتها باتت تدهش حتى الأطفال الصغار.

الجمعة، 8 ديسمبر 2017

أضحوكة "رحيل الأسد"!



كفانا من هذه العبارة المُقزّزة، فرحيلُ الأسد قرارٌ ليس بيدِ الأسد نفسِه ولا بيدِ معارضيه ولا حتى حُلفاءه من روسيا وإيران، انتظروا حتى يصدُرَ البيتُ الأسود قرارَهُ بعد انتهاء دورِ الأسدِ وتقليمِ أظفاره المركّبة، ثُمّ يكون بعد ذلك ما يَكون...
...

الخميس، 7 ديسمبر 2017

صدام حسين : أﻃﻟﻗﺕ 39 صاﺭﻭخا ﻋلى إﺳﺭاﺋﻴﻞ ﻭتحدى قاﺩﺓ العرﺏ أﻥ ﻳﮐﻣﻟﻭها الاربعين


يتذكر العرب في كل أزمة يمر بها الفلسطينيون بعدوان صهيوني عليهم الرد العسكري العراقي الذي طال المحتلّ الإسرائيلي بتسعة وثلاثين صاروخ سكود وذلك بعد يوم واحد من بدء التحالف الدولي عدوانه الجوي على العاصمة بغداد عام 1991، رد لم يكن بحسبان العرب والعجم كما لم يكن بحسبان العراقيين.

فقد أطلق العراق 39 صاروخا نوع سكود المطور بأوامر من صدام حسين باتجاه أهداف داخل إسرائيل,حيث كانت الأهداف تتمركز في تل أبيب وميناء حيفا والنقب، وبدأت عمليات القصف العراقي بعد يوم واحد من حرب الخليج الثانية وذلك في فجر 18 يناير 1991 وتوقفت بتاريخ 25/2/1991.
وجاء في الوثيقة التي بموجبها تم استلام الأوامر من القيادة العليا للقوات المسلحة آنذاك
 (بسم الله الرحمن الرحيم)
العميد الركن حازم عبد الرزاق
السلام عليكم
باشروا على بركة الله بضرب الأهداف داخل الكيان الصهيوني المجرم بأثقل ما يمكن من النيران مع ضرورة التنبه تجاه احتمالات الكشف وان تنفذ الضربات بالعتاد التقليدي الاعتيادي للصواريخ ويستمر الرمي حتى إشعار آخر,
صدام حسين
17 /1 / 1991
وقد كانت الخسائر كانت على النحو التالي
74 قتيل
230 جريح
أضرار ودمار في حوالي 7440 مسكن وشقة سكنية
أضرار في 200 محل تجاري
أضرار في 23 مبنى عام
تدمير 50 سيارة
وكان صدّام حسين آخر حاكم عربي قصف إسرائيل قبل أن يتمّ إعدامه من طرف الميليشيات الإيرانية يوم عيد الأضحى المبارك وتحديدا في 30 من شهر ديسمبر عام 2006، قد أعلن أنّ العراق مستعدّ لقصف إسرائيل ستة أشهر متواصلة لإرغامها على الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 وذلك كمرحلة أولى لتحرير فلسطين، طالبا في الوقت نفسه إسنادا من الجيشين السوري والأردني لهذا السيناريو.
وبحسب ما نقلت الصحف العراقية الحكومية عن الرئيس العراقي صدام حسين في تلك الفترة، فإنه قال في 17 من شهر يناير 2001 أثناء استقباله رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي إن «إسرائيل لا تتحمل ضرب المدافع لمدة ستة أشهر من غير توقف، والمهم هو أن تضرب مدافع العرب من البر والبحر دون توقف وبهمة حتى إذا لم نتقدم ولو مترين» مؤكّدا استعداد العراق للقيام بهذه المهمة معتبرا أن إسرائيل «لن تصمد أكثر من أسابيع».
وقد أكّد صدام وقتها أنّ «جميع اليهود اللّذين هاجروا إلى إسرائيل في السنوات الماضية سيتركون الأرض الفلسطينية خشية تعرضهم للأذى لأنّ المهاجر الذي جاء من كل مكان ويعرف أن الأرض ليست أرضه سيحمل أغراضه ويرحل إذا أطلقت المدافع».

لكن وبعد سنتين وشهرين من ذلك التصريح، اجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية العراق بعد قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش، ليمنع صدّام من تحقيق أمنيته وليسلّم أرض الرّافدين لإيران التي قتلت بمعيّة الأمريكان عشرات الآلاف من الأبرياء ودمّرت آلاف البيوت والمساجد تحت تصفيق من الخونة العرب وملوكهم وحكّامهم اللّذين فتح البعض منهم حدودهم البرية والبحرية والجوية للأمريكان لاحتلال العراق وتسليمها.

الأحد، 3 ديسمبر 2017

قصة السجن الذهبي


قديماً كانت السّجون تحت الأرض، ثم صعدت فوق التُّراب، ثم اعتلت قِمَم الجبال، ثم انتقلتْ إلى أفخم الفنادق، ثم سيتحوّلُ العالمُ كلُّه سجناً، قبل أن ينهضَ النّاس من القُبور وتنتهي الدّنيا إلى مآلها الأخير.....

قائمة المدونات الإلكترونية