الاثنين، 1 أبريل 2019

"دين الفطرة" هل هي رسالة من جون جاك روسو أو من عبد الله العروي؟ عادل اعياشي



"دين الفطرة"، أو "عقيدة قس من جبال السافوا" Profession de foi du   vicaire savoyard  للفيلسوف الفرنسي المزداد في جنيف جون جاك روسو، صدر الكتاب عام 1761، فيما تولى المفكر المغربي عبد الله العروي نقله إلى اللغة العربية، ونشرت الطبعة المترجمة عن المركز الثقافي العربي سنة 2012 في خضم الجدال حول مفهوم العلمانية والدولة المدنية.
يقول العقاد في أحد حواراته بعدما سأله صحفي حول علاقته بالشخصيات التي كانت محور بعض كتاباته، فأشار أنه لا يكتب حول شخصية من الشخصيات إلا إذا أحس بعلاقة خاصة تربطه بها، أو تقارب فكري أو إعجاب أو انجذاب تجاه تجربة وفكر هذه الشخصية، وهذا ما نراه في مؤلفاته عن الخلفاء الراشدين (العبقريات) وعن الصحابة وعن ابن الرومي وغيرهم، وقد يتحقق قول العقاد إذا ما أسقطناه على جماعة المترجمين، فلا يتخيل من مترجم أن يقدم على ترجمة فكر دون أن يكون من المؤيدين لهذا الفكر، أو ربما تربطه به على الأقل علاقة تعاطف وانبهار خفية لا يحبذ أن يقر بها صراحة، وإلا فمن العسير جدا على أي مترجم أن يغامر في ترجمة كتاب لا يجد فيه تلك الرابطة النفسية التي كانت سببا مباشرا دفعه دفعا لتسطير ترجمته.
إذا نظرنا إلى محتوى كتاب جون جاك روسو نجده كتابا فلسفيا بامتياز شأنه شأن باقي الكتب التي تحمل في طياتها  الدفاع عن رأي من  آراء الفلاسفة في عصر التنوير حول الله والمادة والطبيعة والروح وما إلى ذلك، لكن اختيار عبد الله العروي لهذا الكتاب بالضبط لم يكن محض الصدفة، ولم يكن يروم  من خلاله تنوير الفكر العربي بآراء الفلاسفة حول هذه المفاهيم التي طال الجدل حولها دون الوصول إلى نقطة التلاقي وهذه ضريبة الفلسفة، وإنما يبدو أنه يؤسس  عبره بشكل واضح لمفهوم الدولة العلمانية، لكن الخوض في هذه النقطة بالذات محور الكتاب وهي الإعلان الصريح بأن الفرد ليس في حاجة إلى مرجعية دينية وما لهذا القول من حساسية مفرطة في مجتمع مغربي عربي مسلم محافظ، دفع عبد الله العروي إلى محاولة دفع هذا المفهوم الخطير والحاسم في مشروعه العلماني على لسان جون جاك روسو، الذي يتكلم بدوره كما يقال في كتابه هذا بلسان القس في حواره مع الولد، وقد لجأ جون جاك روسو نفسه إلى هذا الأسلوب طبعا خوفا من بطش الكنيسة، وهي نفس الحيلة التي اعتمدها عبد الله العروي في نقله الكتاب إلى العربية وليس ترجمته، لأن الترجمة تقتضي على المترجم تحييد الذات وإبراز المعنى الحرفي للمتن الأصل، بيد أن عبد الله العروي يقول في مقدمته حاولت أن أكون محايدا بمعنى أن الحياد كانت محاولة منه وليس غاية، وهذا ما ألبسه لباس المسؤولية بخصوص علاقة الفرد والمجتمع بالدين تحديدا، ولا يمكن بالتالي إغفال ذاتية عبد الله العروي في محتوى الكتاب.

لا يمكن لمشروع حداثي أن يرسي قواعده دون الرجوع لآراء الفلاسفة والمفكرين، وإذا كان عبد الله العروي قد صرح في كتاباته بعدم استلطافه للمنحى الذي يتبناه الفلاسفة عموما إلا أن الدفاع عن مشروع حداثي قائم بذاته ودفع مفهوم جعل الدين خارج اهتمامات الفرد والمجتمع واعتبار العقل أو الضمير الإنساني المحرك والمتحكم الرئيسي في معايير الخير والشر لدي الإنسان، هو اعتراف صريح ومباشر منه في نقطة خطيرة للغاية وبالغة الحساسية، وإذا كان العروي قد خاض في مسائل الدين من المنظور الشمولي وله آراء عديدة في ذلك، إلا أنه عجز لاعتبارات عدة أن يكون أكثر جرأة في هذه المسألة فيتبناها بشكل شخصي، فلكي تؤسس لمشروع علماني حداثي لا بد وأن يكون موقفك واضحا وحاسما في نقطة تحييد الدين عن اهتمامات الفرد والمجتمع بشكل قاطع وواضح دون غموض أو لبس، وهذا المأزق الذي ربما سقط فيه العروي وأراد أن يتناول هذا الأمر بطريقة أكثر ذكاء حتى لا يحدث بلبلة جدلية بشكل من الإشكال، وقد نلاحظ ثورة عبد الله العروي وبوحه بهذا التوجه من خلال استخدامه في عنوان الكتاب عبارة "دين الفطرة"، بمعنى الدين الذي يتفق عليه الجميع، الدين النابع من الإنسان نفسه وإليه، نتاج عقله وضميره، دون الحاجة للرجوع إلى الرسالات السماوية الرجعية وهذا أساس العلمانية الحديثة.

قائمة المدونات الإلكترونية