الاثنين، 30 أبريل 2018

مشروعُ نهضة (2).. بناء الإنسان



الإنسان هو أساسُ كل حضارة بشرية، فهو الأصل، وهو المادّة الخام، وهو الجذر الذي تتفرّع منه كل المجالات الأخرى لتنموا وتُزهر، وهو بمثابة قطراتِ الماء التي تبعثُ الروح من جديدٍ في شجرة الحضارة الجدباء بعد أن كادتُ تذبلُ وتموتُ أوراقها من شحّ المياه، وبالتالي فإن أي تطلّع لمستقبل أفضل رهينٌ بمدى جاهزية هذا الإنسان للتحديات والإكراهات التي تصاحب بالضرورة عملية التطور والانبعاث.


الثلاثاء، 24 أبريل 2018

مشروع نهضة (1)


هل يحتاجُ الإنسان العربي إلى مشروع نهضة؟ السؤالُ الذي يُحيّرنا ويُوقظ مضاجعنا ويجعلنا في نوبةٍ من الانتظار والأمل لا تنتهي، متى سيعيش الإنسان العربي عصر نهضة حقيقية؟ متى سنتيقّنُ تماماً نحن العرب أنّنا في طريقنا نحو بناء نهضة اجتماعية واقتصادية شاملة تُدوَّن في سجل التاريخ إلى جانب النهضات الأخرى التي عرفتها الإنسانية؟ إننا نعيش في عالم مخيفٍ يطغى عليه التغيير والتطوير، ينتقلُ فيه الإنسان من وضعية إلى أخرى بوتيرةٍ متسارعة، وهذا ما يجعلنا في تحدٍّ كبير إن نحن قرّرنا مجابهة هذا الواقع واتّخاذ قرار ببناء حضارة عربية مُنافسة بكل المقاييس.

الأحد، 15 أبريل 2018

أسد الريف.. مهندس حرب العصابات



للبطولات دروسٌ وعبر من أناس وهبوا أنفسهم رخيصة لأجل أن يبقى تراب وطنهم طاهراً من دنس الاحتلال، إنها الحرية التي لا يتذوّق طعمَها إلا أولئك الذين اقتلعوها 
بأظفارهم المدماة من تعنّت المحتلّ المتجبّر وحلفاءه.

السبت، 7 أبريل 2018

أحمد ياسين.. هذا الرجل لم يمت!


يوم الأرض الفلسطيني، هي الأرض عندما تتعرّف على صاحبها من رائحة الدم، هو العشق الذي يأبى أن يُفصح عن كل أسراره وخباياه إلا عندما يتعلق الأمر بحب الفلسطيني لأرضه، فحينئذ يتجلى هذا العشق في أبهى صوره وأصدق تجلياته. نختزل كل الكلمات التي مهما عبّرنا بها عن واقع الحال الفلسطيني فلن نفيه حقه أو بعض حقه، لنقول إجمالاً بأن الأرض الفلسطينية بترابها وثمارها ومياهها وطيورها وكل ما فيها، قد تجمعت في قبضة رجل ليس ككل الرجال، قبضة فيها من الحب والوفاء ونكران الذات ما تعجز البشرية جمعاء عن تفسيره، قبضة هزمت جبروت كيانٍ غاصب يكاد يختنق وهو يحاول الانفلات مذعوراً من أصابع فولاذية تنغرسُ بالدم في شرايين أنفاسه، هو رجلٌ يحمل بين نظراته تاريخاً حقيقياً عايناه في ذهول بأمّ أعيننا ولم نطالعه في المجلّدات أو نسمعه من الأقاويل، يكاد يختفي نظيره من هول ما قاسى من العداء والكيد والتعذيب عمراً بأكمله انتقاماً منه على ثباته وتعلّقه بأرضه وشرفه.

أحمد ياسين، أسطورة المقاومة الفلسطينية، الرجل الذي زحزح الاحتلال الإسرائيلي ودبّ الرعب فيه وهو مقعد على كرسي بسيط لا يتحرك من أطرافه سوى لسانه الحيّ بذكر الله، الرجل الذي شكّل وحده على مدى عقود طويلة من النضال المرير شوكة في حلق المحتل لم تنسل إلا بعدما تأكد أن صاروخه الموجه الجبان قد مزّق الشيخ أشلاء مبعثرة وهو عائد من صلاة الفجر، فشهدت الشمس وهي تطلع من مشرقها على جريمة نكراء اهتزّ لها ضمير الإنسانية العاتب على قلوب البشر.
استطاع ابن قرية الجورة الواقعة جنوب قطاع غزّة بما يزخر به من شخصية قوية وفصاحة عتيدة وفن الخطابة، أن يشكل طاقة عظيمة من الإلهام التحرّري والصفاء الروحي أثّرت بشكلٍ كبير في الأوساط الشبابية آنذاك، ليرقى إلى درجة الداعية المربي رغم معاناته من شللٍ كامل في جسمه، إننا عندما ننظر إلى صورة الشيخ أحمد ياسين فلا نحسبه أبداً من الأموات، نكاد نصدق أن الرجل لم يمت فسيرته ما تزال محفورة في قلب كل غيور على الحق الفلسطيني والنخوة العربية إلى أبد الآبدين، وكأنها أمامنا مجسدة صوتاً وصورة.

ولا أعتقدُ أن توالي الأيام وتعاقب السنوات كفيل بأن يدفن سيرة الشيخ في غيبات النسيان، أو يحبس الأعين من ذرف الدموع وهي تتطلع إلى وجه صبوح متلألئ تتجسد فيه كل حبة من تراب فلسطين الحبيبة، وتتراءى من ثنايا قسماته قبة الصخرة وشمس الحرية، وأحياء القدس القديمة، وأعلام الوطن، وبيت المقدس، وضحكات الأطفال وابتسامة الفدائيين، هذا الرجل لم يمتْ، فكيف يموت التاريخ المخطوط بالدم، المعبّد بالعزة والإباء، المنقوش على صفحات القلوب جيلاً بعد جيل، كيف يموت من زرع الصدق ونثر الحب، وأحيا معنى الشهامة والبطولة، وشكل العِرق النابض المتبقي من أمة قضت منذ عقود بموتٍ سريري، كيف يموت من ترتعد بذكرِ اسمه أطرافُ المحتلين كأنه زلزالٌ مدمّر أو كابوسٌ مؤرق، فيهرعون إلى الكهوف والملاجئ خوفا ورعبا كارهين سماعه مثلما يكرهون قُدوم شبح الموت.

إنَّ من يموت فعلا هو الجسد العابر، ومن يبلى هي المادة الجامدة، ومن يُنسى هم أولئك الذين لم يتركوا بعد رحيلهم أثرا يُذكرون عليه، أو موقفا يُحسب لهم، أو شيئا ينتفع الناس منه، فليس لهم في كتاب التاريخ من سطرٍ ولا حتى كلمة، ناهيك عن أولئك الذين خلّفوا من العار والذل ما تُبنى به الجبال وتُعكر به البحور، فهؤلاء لا يتردد التاريخ لحظة واحدة من أن يلفظهم إلى العدم كما يلفظُ البحر قاذوراته وأوساخه.
إنَّ أمثال الشهيد أحمد ياسين يأبى الموت أن يخطف أرواحهم إلا بعد أن ينصاع قهراً لإملاءات القدر، وإن كان الشيخ قد لفظ آخر شهقة له في الحياة ليُصنّف في عداد الشهداء، إلا أنه صار بعد ذلك أقرب إلى الحياة منه إلى الموت نفسه، ولا أعتقد أن بيتاً واحداً من بيوت فلسطين يخلو من صورة الشهيد أحمد ياسين معلقة على الجدران والصدور، فهو باقٍ ما بقي العهدُ بتحرير الأرض قائما، وباقٍ ما بقي الوعد بالعودة راسخا، وباقٍ ما بقي اسم فلسطين محفوراً في وجدان كل طفلٍ ارتوى من ماءها وتنفس من هواءها وتعلّم حروفها حرفاً حرفاً فنسي اسمه وتذكرها.
 
إن العلاقة التي تربط الشهيد أحمد ياسين بفلسطين هي أكبر من علاقة إنسان بوطنه، أو صاحبِ أرضٍ بأرضه، إنها امتدادٌ عبر أجيال متعاقبة تتوارث ذاك العشق الأبدي الذي زرعه الشيخ في ضمير كل فلسطيني فيما يُشبه صفة إنسانية تنتقل عبر الجينات، إنها تمازج الروح مع التراب في كائنٍ مُوحّد تعجز كلُّ قوى الأرض عن فصل مكوناته، ورغم أن الإنسان يُعاني في علاقته هذه من الفقد والآلام ما يعاني في مسيرة التضحية الطويلة، إلا أنّ النصر اليقين لا يمكن إلا أن يكون هو النتيجة الحتمية لإيمانٍ عميقٍ بالقضية.
 
إن رحيل الشيخ أحمد ياسين بتلك الطريقة المؤلمة في ذاك اليوم المهيب لهو انتصار كبير دُوّن بماء الذهب في صفحات النضال الفلسطيني، وإنه لوصمة عار تُضاف لشعور الذل والمهانة الذي شعر به المحتل الإسرائيلي وما يزال وهو يُصوّب صاروخه الحقير نحو شيخٍ ضريرٍ مُقعدٍ على كرسي متحرك لا يكاد يرى طريقه، فكانت مرارة الموقف وفظاعته كفيلة بأن تنسيه طعم انجازه، وفرحة التخلص من رمزٍ هو أكبر من أن تربطه بفلسطين مسألة حياة أو موت، وإن غاب الشيخ إلا أنه حاضرٌ في كيان كل عربي ومسلم، وفلسطين باقيةٌ لا تموت.

الاثنين، 2 أبريل 2018

مصطفى بكري.. تغيرت يا رجل !



التغيير سِمةٌ إنسانية ثابتة، فالإنسان يتغيّر بطبعه ولا يرسو على سلوكٍ واحد أو عادةٍ دائمة طول حياته، ولكن أن يتغير الإنسان إلى الأفضل ليس كتغيّره للأسوأ، وأن يرقى بنفسه وعمله إلى العلا ليس كالذي يزجُّ بهما إلى الحضيض، فالتغيير الايجابي إذن هو المنشود من الإنسان أما انحرافه نحو طريق الظلام والضبابية فهذا هو العيبُ بذاته والمذلّةُ بعينها.
وقد صار التغيير في هذا العصر موضةً يتشدّق بها ضعفاء النفوس، ظنّا منهم أنها من معالم التطور الحضاري، غير أن المبادئ الأصيلة لا تبلى مهما طال الزمن، بل ترافق الإنسان في مسيرة حياته كاختبار مرير لمدى تشبثه بها وثباته عليها، وهذا مصطفى بكري الصحفي المصري ذائع الصيت، لا يكاد بصركَ يطأ على برنامج من البرامج المصرية إلا وتجده من بين الضيوف، ولعلّ هذا التكريم المبالغ فيه جاء بلا شك من مواقف اتخذها بكري تناغمت مع ميولات أصحاب النفوذ، كنّا نراه منذ سنوات مضت في برنامج الاتجاه المعاكس أيام الصراخ مدافعاً مغواراً ضد غزو العراق وسياسات أمريكا الاستعمارية التوسعية في المنطقة.

وأصدقكم القول أنني كنتُ من أشدّ المعجبين بمصطفى بكري آنذاك، كان يشدّني اندفاعه وحزمه في وجه خصومه دفاعاً عن الوحدة العربية ومستقبل الأجيال القادمة، ويبدو أن معدن الإنسان الحقيقي لا يطفو على السطح إلا إذا اشتدت الظروف واحتكّ بما لا يناسب توجهاته الدفينة، فإما أن يسطعَ بريقه في الكون، وإما أن يأفل كما تأفل الشمس في المساء.
وإذا "برجل كل العصور" يُغيّر جلدته ويتجرّد من معطفه ليلبس معطف النفاق الأنيق، ولعل المصلحة الشخصية لعبت دورها في تغيير طينة مصطفى بكري فآثرَ شدّ حبل الوصولية القصير، ليتلوّن كالحرباء بتلوّن الحالة السياسية في مصر، يفرّ من القارب المثقوب ليلحق بالسفينة السائرة في عرض البحر مستغيثاً بها، وقد كان من قريب يسبُّ ربانها بأقسى الألفاظ، بل وحتى المشاهدين اتّصلوا ببرنامجه أكثر من مرة ليوبخوه على نفاقه وتلونه إلى درجة أن قال فيه شقيقه من أبيه وأمه محمود بكري بالحرف الواحد "كان معرص منذ صغره!"
فهل يصدق أحد أنه كان يمدحُ الإخوان مدحاً مستفيضاً في 2011، واعتَبر أنهم أدّوا أداءً جيداً في مسيرتهم لكنّهم تعرضوا للظلم والدموية من السلطة، بل وصرّح المحامي المعروف نبيه الوحش أنّ بكري كان يتقلّد منصب المستشار الإعلامي لمرشد الإخوان المسلمين، ولمّا صعد عبد الفتاح السيسي كرسي الرئاسة بعد الانقلاب العسكري قال فيه من المدح والإطراء ما لم يقله المتنبي في عصره، وصرّح أنه الرئيس الذي أعاد مصر المختطفة، وطبّل قبل ذلك للمجلس العسكري والمشير طنطاوي وعدد من المتهمين بالفساد، وله صولات وجولات في البرلمان مع الفريق أحمد شفيق، وظلّ ينحاز للمجلس العسكري والثوار في آن واحد، وهاجم بطبيعة الحال الإخوان المسلمين بعد تغيّر الظروف السياسية هجوماً لاذعاً، وقال في مرسي ما لم يقله مالك في الخمر بعد عزله من السلطة.

وفي الشأن السوري عُرف بدفاعه الشرس عن بشار الأسد، وردّد أكثر من مرة أن نظامه لن يسقط أبدا وأن المعارضة السورية مجموعة من "الخونة" هدفهم تقسيم سوريا وأن المجازر ليست حقيقية، وعندما سأله مذيع في أحد البرامج التلفزيونية هل تؤيد الثورة السورية؟ أجاب "بالفم المليان" نعم وصرّح الصحفي المثير للجدل توفيق عكاشة وغيره أن مصطفى بكري أخذ أموالاً طائلة من القذافي وحافظ الأسد وصدام حسين، وبات هذا الأمر محسوماً فيه، واغتنى بذلك اغتناءً فاحشا، ولا يسأله أحدٌ من أين أتى بثروته الضخمة وعقاراته وأمواله المكدسة في البنوك.

كان يسمي نفسه معارضا لنظام حسني مبارك قبل خلعه من الشعب، ولكن أينما حلّ الرئيس وارتحل تجده من بين الوفود في الصفوف الأمامية، وهو الذي كان يخاطبُ كل مواطن مصري وعربي بعد انتخابات الرئاسة مباشرة قائلا لهم أن مصر تقف وراء مبارك في مشروعه الوطني وفي دعمه للديمقراطية ودفاعه عن الطبقات الفقيرة، وتبنيه لحرية التعبير وحرية الصحافة وكل حريات الأرض، وقال أنه قام باستفتاء خاص في الشارع من طرف مندوبيه فحصل مبارك على نسبة 87 في المئة من الأصوات، وظل متشبثا به إلى آخر يوم من حكمه، لينقلب عليه كما ينقلب الليل على النهار قبل أن يهتف في مظاهرة ضده "يسقط يسقط حسني مبارك".
وحاليا يشن سلسلة هجمات على قطر، إذ يتهمها برعاية الإرهاب وإشعال الفتن في العراق وسوريا واليمن وجزيرة الوقواق وفي كل مكان، دون دليلٍ مادي واحد سوى الهرطقة الفارغة، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلُّ على أن الرجل يبيع كلماته بأموال لا تُقدّر بعدد، وتذكروا يوم سيرفع الحصار المفروض على قطر حتما سيقول فيها من المدح والثناء ما يعادل ما قاله من السوء والهراء، ويوم ستعود سوريا بحول الله إلى حضن السوريين سينفي تماما معرفته ببشار الأسد، والأيام بيننا، فهذا ليس بغريب عنه وهو "رجل كل العصور".

وإذا عددنا تناقضات مصطفى بكري مع نفسه وتقلباته السياسية لاحتاج الأمر لمجلدات عظيمة، فالرجل لا يبرحُ مكانه حتى ينتقل إلى مكان أفضل إذا تناغم ذلك مع مصالحه الشخصية، ولا يكاد يرسو على موقفٍ سياسي ما حتى يقفز إلى موقف آخر أكثر إغراء وسمعة، وهذا ما أكسبه شهرة لا نظير لها كأكثر شخصية إعلامية في مصر تتقلّب مواقفها السياسية باستمرار، ولا يختلف اثنان أن مصطفى بكري يستحقُّ بذلك جوائز قيّمة وتكريماً يليق بمكانته، تخلّد ذكراه في تاريخ الإعلام والسياسة إلى أبد الآبِدِين.


قائمة المدونات الإلكترونية