السبت، 26 أغسطس 2017

اطمئنوا لن تنشبَ الحرب



يترقب العالم أجمع حالة الاحتقان بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية بعد أن زادت حدة التصريحات بين الطرفين وبدأ يُلوّح كل جانب باستعمال القوة واستعراض عضلاته وإمكانياته العسكرية والقتالية ضدّ الطرف الآخر، ولن أستعرض هنا الإرث التاريخي الذي كان السبب المباشر لتنامي هذا الصراع، بل سأعرّج على نقطة مهمة قد لا يتفق معها البعض، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تدخل الحرب بتاتا خصوصا مع كوريا الشمالية، وليس هذا من باب التنبؤ أو قراءة أفكار ترمب، بقدر ما توجد خلفيات ومعطيات على أرض الواقع تمنع الولايات المتحدة من تكرار سيناريو العراق وأفغانستان وزجّ نفسها في خندق لا تحمد عقباه.

كلنا يعلم حجم الخسائر التي تكبدتها القوات الأمريكية في العراق وما تزال، رغم تقليص تواجدها بشكل كبير واقتصارها على الدعم اللوجستي والتأطير العسكري ضمن قوات التحالف الدولي، وهذا ما شكل ضغطا قويا على الإدارة الأمريكية وانتقاد سياسة التدخل في بؤر التوتر العالمية وما تجنيه منها من خسائر بشرية فادحة يرفضها بشكل قاطع غالبية المجتمع الأمريكي، وبالتالي فإن دخول الحرب ضد كوريا الشمالية بقيادة زعيمها كم جونغ أون الذي يُقرّ العالم بأسره بتهوره وغرابة أطواره واندفاعه بشكل غير محسوب العواقب، لن يفضي إلى نتائج ايجابية وقد يعود الأمر عليها بكوارث حقيقية.

وإذا كان إعلان الحرب على كوريا الشمالية هو بِدافع أسلحتها الباليستية لكانت إيران أولى بالهجوم وتدمير ترسنتها النووية، وهي الخطوة التي لم تقدر على إتيانها الولايات المتحدة طيلة سنوات، واكتفت بالعقوبات الاقتصادية والتجارية وبتهديداتها المستمرة لطهران، مع أنها تعلم جيدا وتملك أرقاما وإحصائيات رسمية بأن كل من بيونغيانغ وطهران تمتلكان أسلحة متطورة قادرة على صدّ أي هجوم من أبعد نقطة، وبمقدورهما إلحاق أضرار جسيمة بقواعدها المنتشرة في المنطقة، وبالتالي فالولايات المتحدة كما عجزت على مواجهة طهران عسكريا ستكتفي بالتهديدات والتصريحات الشفوية ضد كوريا الشمالية، ولن يصل الأمر إلى شن هجوم عسكري واسع النطاق كما حصل من قبل مع العراق بأي حال من الأحوال.
فالولايات المتحدة لم تتخذ قرارها بشن هجومها على العراق إلا بعد أن تأكدت بأن قضية امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل كما نعتتها لم تكن سوى أكذوبة لعبت دور شماعة لاحتلال العراق آنذاك، فلو كانت هناك أدنى معلومات استخباراتية تؤكد بالفعل امتلاك صدام لهذه الأسلحة لما استطاعت إطلاق صاروخ واحد أو إرسال طائرة حربية واحدة صوب بغداد. هذا يؤكد أن الإنسان أو المواطن الأمريكي فوق أي اعتبار، ولو كان من السود، رغم ما يتعرض له هؤلاء من معاملة عنصرية قاسية بالمقارنة مع غيرهم من الأمريكيين، وكلنا يتذكر كيف فرت القوات الأمريكية من الصومال بعد صور سحل جنود أمريكيين في شوارع مقدشيو، ولم تترد لحظة واحدة في ترك كل شيء والعودة إلى البلاد، واليوم تحاول الولايات المتحدة إبقاء حالة الهيمنة لمنع انفلات دول بعينها من دائرة التحكم كما حدث مع الصين والهند وباكستان، فهذه الدول خرجت عن نطاق السيطرة واستقلت بقراراتها وسيادتها رغم ما تعانيه من فقر واحتياج، لا لشيء سوى لأنها نجحت في أن تصنع لنفسها ما يمكن أن نسميه رادعا عسكريا يتمثل في الأسلحة النووية التي تمتلكها.
وكذلك ما يجري في سوريا خير دليل على أن الولايات المتحدة قد غيرت من أساليب المواجهة المباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وسلكت طريقا مغايرا لما تعرفه الحروب التقليدية عادة، فأصبحت لا تشارك في الحرب إلا بالعلم الأمريكي وبقوات متعددة الجنسيات أغلبها عربية، وبأسلحتها التي طورتها بنفسها حتى ترى وتجرب ما تصنع عقولها وسواعدها على أرض الواقع من أسلحة ذكية فتاكة بالإنسانية، وبالتالي تطور ما تراه قابلا للتطوير، وتُعدّل ما هو قابل للتعديل، حتى تطرح منه نسخا غير أصلية في السوق الدولية لتجلب من وراءها أموالا طائلة، فهذه سوريا الديمقراطية تقاتل تحت راية الجيش الأمريكي الذي زج بها في الصراع السوري بعد أن تيقّن بأن قوى الفصائل الميدانية قد خارت، وما تبقى من فلول النظام السوري يصارع البقاء، فأنشأ ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية لنشر نفحات الديمقراطية على الأراضي السورية، وهل هذا يُعقل؟ فماذا تبقى في سوريا حتى ينعمَ بالحرية والحياة؟
من كان ينتظر نشوب حرب بين أمريكا وكوريا الشمالية نقول له اطمئن فالحرب والدماء والدمار اختصاصٌ عربي لا ينافسهم فيه أحد، ولن تشتعل المزيد من الحروب إلا بأيادي عربية، ولن يُجلبَ الخراب والحصار إلا من وراءها، ومن كان يتعلم من دروسه فعلا ويستوعبها فهي أمريكا ومن يدور في فلكها، أما نحن فلو تكرّرت دروسنا ألف مرة ما نحن أبدا بمستوعبيها.. ويستمر الحال على ما هو عليه.

المقال على مدونات الجزيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة المدونات الإلكترونية